ذهبت اليوم بعد الظهر إلى التياترو الفرنساوي أحضر تمثيل رواية بايزيد، وخرجت فيما بين الفصلين حين ترك الحضور مقاعدهم في أوكار الألواج الضيقة، وفضلت على الخروج إلى هواء المدينة أن أبقى في صالون التياترو، كان الصالون مزدحما جدا بالرغم من سعته، والرجال فيه يكادون يعدون، وسائر الحضور سيدات، ويظهر أنهن من طبقات البلد الناعمة الممتعة بما يحفظ عليها الصحة والجمال، فأجلت عيني في كل الأنحاء وتصفحت إلا قليلا كل الوجوه، وكلما وقع نظري على قوام ينم عن الشباب والنضرة انتظرت وجها حسنا، فإذا استقبلتني صاحبته قضي على أملي وإن كنت لا أعدم في ثوبها ومشيتها وترتيبها العام جمالا، وكم كان يسعدنى أن أرى بوارق ما أملت يتحقق، ولكني على كل حال خرجت مقتنعا بأن كلمتي الجمال النادر لهما في الواقع قيمة حقيقية وإنما قالهما خبير بعد بحث جدي.
22 أكتوبر
في هذه الأيام الأخيرة رأيت شيئا جديدا في اللكسمبور، غير ذلك التاج الذهبي الذي جاءها به الخريف وتلك الأوراق الكثيرة التي تسقط إلى الارض بعد ذبولها، رأيت ما استلفتني من كثرة الوافدين إليها والأطفال الذين يمرحون في طرقاتها ويلعبون ويجرون ويصيحون ... هذه الحركة الجديدة أراها في باريس بأجمعها بعد أن هجرتها الضوضاء مدة الصيف ... وكأن الباريسيون كانوا ينتظرون هاته الأيام ذات الطقس الجميل من أكتوبر ليعطوا لأنفسهم ولأولادهم أوفر حظ من الرياضة.
في حدائق التويلري ترى هذا المنظر الذي يقابلك في اللكسمبور، كذلك ترى في غابة بولونيا وفي الطريق الكبيرة الموصلة إليها خلقا كثيرين يطلبون النزهة، ويريدون التمتع بهذه المناظر الخارجية قبل أن يدهمهم فصل الشتاء.
هؤلاء الناس الذين يجيئون إلى هاته الحدائق أو الذين يبعثون بأطفالهم إليها، ويثيرون بذلك في النفس الاعتقاد أنهم ذوو يسار ليسوا في الغالب كذلك؛ فإن هاته الحدائق العامة المفتوحة لكل إنسان من غير تمييز لواحد على آخر تدعو إليها المتوسطين أكثر مما تدعو الاغنياء الذين يأنفون معاشرة غيرهم من الطبقات والذين يرون في هذه المساواة اعتداء على ميزتهم.
أما الأغنياء فالمدى أمامهم فسيح خصوصا في هذه البلاد التي خلقت من دواعي النعيم والترف ما يقصر دونه الذهن.
وفي هاته الحدائق العامة يجد سكان باريس متاعا حسنا، يجدون الراحة حين يثقلهم العمل ويجدون السعة التي تمكنهم من ترويض حواسهم وجسمهم ... وكثيرا ما ترى في نواحي اللكسمبور المختلفة مراسح ألعاب متعددة للأشخاص في كل أدوار حياتهم وعلى أشكال مختلفة، ولا شك في وجوب مثل هاته الرياضات سواء للأطفال أو الشبان أو الكبار، لتساعد على نمو الأولين وتعطيهم الصحة، ولتزيل هم الآخرين وتسري عنهم تعبهم ولتعزي العجائز عن الوقت وتمضيته.
25 أكتوبر
كنت أخبرت المسيو ه.ج. عن حيرتي فيما يتعلق بمسألة المسكن، وشديد حاجتي للوجود في وسط فرنساوي أتمكن معه من معاشرة الفرنساويين، ولقد عرضت أمامي مرارا فكرة البحث عن عائلة أقيم معها، وبحثت مرارا عن ذلك ولكني لم أكن لأعثر على شيء يفي تماما بغرضي، فكنت أحيانا أقع على عائلة مؤلفة من عجوز وامرأته يريدان معهما ثالثا يسليهما عن تشابه أيام الحياة، وأخرى على عائلة عديدة ولكن لا تتوفر فيها الرفاهة اللازمة، ومرة ثالثة على كل ما أريد ولكنهم يطالبون بأجر فاحش ... وبعد أن رجعت مرارا على غير نتيجة من بحثي سألت المسيو ه.ج.آملا أن يدلني هو على شيء حسن.
أخبرني هو أن مدام ل.ج. سيدة طيبة وتقبل عندها قليلين من السكان، وطلبت إليه بعد ذلك أن يكون واسطة بيني وبينها، وقبل أن ننتهي على شيء دعتنا أمس لنمضي المساء عندها.
Halaman tidak diketahui