2 أغسطس
معلمنا يفيض سرورا، ولا يستطيع بطنه الضخم ولا رأسه الكبير أن يحوي سروره، أحسبني أحسست برجليه تدقان في الأرض، وبكل جسمه يتحرك وبشفاهه تلعب من غير كلام وبخدوده تهتز وبرأسه الأصلع يميل، وكله ثمل طرب لأنه يحكي لنا أن بلريو عبر المناش فوق منطاده.
لم أتمالك نفسي من الضحك أمام هذا المنظر، فحسبني الرجل أضحك ساخرا منه وحدد نحوي عيونه وقد ابتدأ يلعب بها الحنق، فزاد منظره إضحاكا حين جمع في لحظة بين السرور والتغيظ، ولكني تمالكت نفسي وجاهدت حتى توصلت بالقليل من اللغة الذي أعرف لأسأله. وماذا إن عبر بلريو المانش - أيه يعني. - وكيف! أوما ترى أن ذلك ينفعنا إذا نشبت حرب بيننا وبين إنكلترا ونستطيع في تلك الساعة أن ننزل جنودنا إلى شواطئها آمنين.
يا سلام يا مسيو، أتظن أن عبور المانش سيبقى احتكارا إلى الأبد لبلريو أو أن بلريو لا يموت؟ ولكن المسيو أ.ل. وكل فرنساوي مثله معذور، هم يذكرون أيام نابليون، ويذكرون بحسرة عجزهم عن عبور المانش على ظهر البواخر، فلم يكد يبدو لهم هذا الأمل الجديد حتى طفحت بالسرور نفوسهم، وحتى حجبهم جذلهم به عن أن يروا قيد شبر بعده.
وبقي طول مدة الدرس على هذا الحال من الجذل، ولو لا أن ضحكي كان يثير سخطه من حين لآخر لما كان بعيدا أن يقوم فيرقص من شدة الطرب، وحتى يرضي شهوة رجليه التي بقيتا لا تهدآن كل مدة وجودنا، والتي دفعته ثلاث مرات لأن يقوم فيرسم لنا على تختة سوداء شكل الطيارة ويجتهد للتفريق بين (المنوبلان) و(البيلان) مما نحن لا شك في غنى عنه؛ لأنا لا نعرف أهم ما في الطيارة حتى تهمنا معرفة أجنحتها.
4 أغسطس
على رأي شكسبير «ما دام الختام حسنا فالكل حسن» ... كذلك كان يومنا هذا كله حسن وأحسن ما فيه ختامه، فقد كان معنا في القطار راجعات من فرساي أم وثلاث بنات لها، أما كبراهن فجميلة ولكنها ليست بارعة، وأما الصغريان فأبدع خلق السماء في أصفى ساعاتها، عيون زرقاء تسيل رقة وتفور كأنما صورها (تسيانو) أو هي أبدع، ونظرات تسبق إلى القلب، وجسم يكاد يجري من القميص من النعمة لولا القميص يمسكه.
ويتكلمن الألمانية فتتساقط ألفاظهن والأذن تعجز دون التقاطها، ولكنها تبعث إلى النفس أعظم السرور ... يقف القلم حائرا كما يحتار اللب وتحار الروح، كيف وأنى تجد المكان منها الذي تحل فيه هذا الجمال، وقد ملأها كلها وكل جارحة من الجوارح.
كانت هذه خاتمة اليوم بعد أن رأينا قصر فرساي، قصر لويس الرابع عشر، قصر الملك الذي قال: «أنا الحكومة والحكومة أنا»، وها جاءت الأيام فغيرت معالمه، فهل تجيء الأيام أيضا فتغير من هاتيك الملائكة اللائي صحبننا في سفرنا القصير؟
والقصر قائم بين جنات وحدائق وغابات وغياض يتوه فيها الخيال، قائم بعظمته يطل على المتسعات الخضراء أمامه، وقد قام في صحنه تمثال لويس ممتطيا جواده غارقا في لجة الشمس الناصعة هذا النهار.
Halaman tidak diketahui