ومن أمثلة التدخل أن الإدارة في ليلة الانتخاب حققت مع بعض العمد بدعوى مساعدتي في الدعاية الانتخابية في الوقت الذي أوحت إلى معظم العمد بإقامة حفلات في بلادهم لتأييد مرشح الحكومة.
وأن مندوب مرشح الحكومة أمر ضابط البوليس في صبيحة يوم الانتخاب بالقبض على محام من أنصاري فنفذ الضابط الأمر، واستمر المحامي محبوسا من الساعة التاسعة صباحا حتى الرابعة والنصف مساء؛ أي طيلة يوم الانتخاب تقريبا؛ مما ترتب عليه تشتيت أنصاري من الناخبين وإلقاء الفزع في نفوسهم.
وفي يوم الانتخاب لم تكن تمر عشر دقائق إلا وتبلغني أنباء التهديد الواقع على الناخبين في جميع اللجان واحتشاد جنود البوليس والخفراء والضباط والعمد وتهديدهم الناخبين لانتخاب مرشح الحكومة. وكنت أبلغ المدير هذه الشكاوى تليفونيا، وكان الجواب في كل مرة أنه سيتخذ الإجراءات الكفيلة بمنع التدخل، وأخيرا رأيت من العبث أن أبلغه الشكاوى لكثرتها ولعلمي أن لا جدوى ولا فائدة منها.
وإنني أذكر سعادة المدير في هذا السياق بما قاله لي شخصيا قبل الانتخاب بأسبوعين من أنه قد أبلغ وزارة الداخلية بما عرفه من تحرياته في بلاد الدائرة، وهو أنه إذا استمرت الحالة طبيعية والإدارة على الحياد فإن أمل مرشح الوفد في النجاح مفقود.
فإذا كان هذا هو رأي المدير في نتيجة الانتخاب قبل موعده بأسبوعين، فبماذا يمكن أن نفسر النتيجة التي ظهرت سوى أنها الأثر المباشر للتدخل الإداري السافر؟
وقد فاتني أن أذكر في هذا المقال تعاون رجال خفر السواحل مع رجال الإدارة في إسقاطي؛ فإن بعض بلاد الدائرة كعزبة البرج وغيط النصارى تقع في مناطق خفر السواحل فتبارى رجالها الرسميون من ضباط وجنود مع رجال الإدارة في الضغط على الناخبين، ونالوا بغيتهم وثناء رؤسائهم!
مذهبي السياسي
ليس الجلاء ووحدة وادي النيل هو وحده مذهبي السياسي، بل أراه لا يكفي إلا إذا كان له سند من مذهب جوهري آخر، هو الأساس لكل المذاهب الصالحة، وهو الاستقامة السياسية؛ فهي في نظري الأصل والمذاهب الصالحة متفرعة عنها.
إن من طبيعة المجتمعات الحرة المتقدمة أن تتعدد فيها المذاهب والبرامج السياسية، فلا يمكن لمجتمع حر أن يتألف منه حزب واحد إلا إذا سادته روح الدكتاتورية التي لا تحتمل حرية الرأي في السياسة والاجتماع.
ولست أرى في اختلاف المذاهب السياسية غضاضة على المشتغلين بشئون البلاد العامة، ولا أرى ضررا من تعدد الأحزاب وتعدد المذاهب في السياسة. ولكن هناك مبدأ يجب أن يكون أساس قيام الأحزاب وتعدد مناهجها وبرامجها ودعامة كفاحنا السياسي، وهو الاستقامة السياسية؛ فالاستقامة السياسية هي خير مذاهب السياسة، وهي الوسيلة الفعلية لإفادة البلاد من المشتغلين بالسياسة أحزابا وجماعات وأفرادا.
Halaman tidak diketahui