ووضعت يدي في يد الصديق العزيز بديع ثانية، واستأنفنا العمل معا بعد أن درسنا نفسيات الجمهور وعرفنا النواحي التي تنال إعجابه وتبلغ موضع الرضاء منه.
أعددنا رواية استعراضية خفيفة اسمها (جنان في جنان) عهدت في وضع رسوم مناظرها إلى الرسام الشهير (لومباردي) ثم ألفت الفرقة الجديدة وكان من أعضائها كمال المصري (شرفنطح) والقصري وحسين إبراهيم والتوني وجبران نعوم والفريد حداد وسيد سليمان. واخترت لإدارة المسرح الإداري الحازم الأستاذ محمد شكري، ولم يكن في هذا الحين قد حصل على لقبه الحالي (بابا) فلما ناله بجدارة عرف كيف يكون حازما حقا وكيف يحمل الكل على احترامه بحيث لم يكن أحد يجسر على الضحك «على بابا»!
أما الممثلات فقد تخيرتهن جميعا من الأجنبيات. وأخرجنا بعد «جنان في جنان»، روايتي «مملكة الحب» و«الحظوظ» وفي أثناء عملنا في رواية (الحظوظ)، تقدمت لي فتاة يونانية خفيفة الروح، كانت تتكلم العربية بطلاقة وبلهجة رائعة، فضممتها إلى الفرقة، وأسندت إليها دورا في الرواية أدته كما يجب، ثم تدرجت في طريق النجاح، إلى أن اشتهر اسمها بعد ذلك، وعملت في فرق أخرى غير فرقتي، وهي الفتاة كيكي.
كانت الفرقة مشاركة بيني وبين مدام مارسيل لانجلو كما ذكرت قبلا وكان وكيل مارسيل المفوض هو المسيو أصلان عفيف.
رحلة فنية
وكان المرحوم الشيخ عبد الرحيم بدوي (صاحب مطبعة الرغائب) دائم الاتصال بنا، وكثيرا ما كان يأتي إلى المسرح، فيداعبنا بلغته «الصعيدية» القحة ونداعبه نحن بالمثل. وفي إحدى الليالي عرض علي أن يستأجر الفرقة لمدة شهر، تقضيه في رحلة تنتقل في أثنائها بالمدن والبنادر في بعض مديريات القطر، فأحلته على الخواجة أصلان عفيف لوضع شروط الاتفاق وإمضائها. فقصد إليه وانتهى الأمر بينهما على إجابة تلك الرغبة. وجاءني أصلان وحده ومعه (الكونتراتو) وهو يبتسم ابتسامة المنتصر الظافر، واطلعت عليه فإذا به يقضي بأن يكون إيجار الليلة الواحدة خمسة وثلاثين جنيهات خلاف أجر الفنادق ومصاريف السفر بالقطارات والسيارات والعربات وشحن الملابس والمناظر، فإن الشيخ عبد الرحيم بدوي هو الذي يتحملها. الله يسامحك يا أصلان يا عفيف! خربت بيت الراجل الطيب في شربة ميه!! قمنا بالرحلة وانتهى بنا المطاف في الإسكندرية بعد قضاء الشهر في المدن والأرياف، وجاءني المرحوم الشيخ عبد الرحيم «يوحوح»، بعد أن خسر الجلد والسقط والكوارع كمان، وهو يقول: «كده يا ريحاني تخربوا بيتي الخراب المستعجل ده (بتعطيش الجيم)» ... قلت وأنا مالي بس يا عم الشيخ عبد الرحيم، مين اللي قالك تتفق الاتفاق المقطرن ده، عليك وع الخواجة أصلان يمكن يرق قلبه لحالك! لكن هو مين؟ دا أصلان يا عم والأجر على الله.
أول محاولة للاقتباس في كازينو سان استفانو
وفي الإسكندرية تركت الشيخ عبد الرحيم كما تركت الفرقة لأصلان ولمدام مارسيل يعرفوا شغلهم بها. وانتقيت أربعة خمسة ممن أثق بهم من الممثلين، واتفقت مع إدارة كازينو سان استفانو برمل الإسكندرية، على أن نعرض روايات قصيرة في كل مساء على المصيفين والرواد. القصد حاجة ناكل منها عيش والسلام. كان الإيراد بسيطا على كل حال، ولكني استطعت في هذه الآونة أن أتعرف على كثيرين من الكبراء أمثال المغفور له حسين رشدي (باشا)، وحلمي عيسى (باشا)، وغيرهما من أكابر نزلاء الكازينو ومن الوزراء العاملين والسابقين. وهؤلاء راقهم ما كانوا يشاهدونه من تمثيل الفرقة أو «الفريقة»، فطلبوا من مدير الفندق أن أكثر من عرض هذا النوع، وكان المدير مسرورا جدا حين نقل لي هذه الرغبات، التي فتحت نفسي ونشطتني في عملي. وقد أردت يوما أن أختبر مكانتي عند هذا المدير، فأطلعته على رغبتي في العودة إلى القاهرة، ولكنه أصر على البقاء، وألح في الرجاء، فقبلت بعد تردد! وأقصد بعد تصنع التردد لأننا يا حسرة كنا نيجي مصر نعمل إيه؟ والدنيا صيف والبلد مشطبة والتياترات قاعدة تنش ... أقول بعد محادثتي مع المدير، عرض علي أن أنزل بالفندق (يعني بسان استفانو) ولم ينتظر مني مدير فندق سان استفانو جوابا، بل تناول التليفون وطلب وندسور، ورجا أن ترسل في الحال حقيبتي، وعزالي، ومعها فاتورة الحساب!
وفي اليوم نفسه كنت أحتل غرفتي الجديدة في سان استفانو العظيم، كما يفعل العظماء والوارثون ... وما فيش في جيبي ولا مليم.
ازدادت حركة العمل في الكازينو، وازداد إقبال المتفرجين من الطبقات العليا من رجال وسيدات.
Halaman tidak diketahui