العبيديين كالمعز لدين الله (٣٤١ - ٣٦٥) والعزيز لدين الله أبي منصور نزار (٣٦٥ - ٣٨٦) كان فيهم تستر فلذلك كان الأفارقة مكتفين بالمقاومة السلبية لكن لما تولى الحاكم تغالى في كل أموره ومنها إظهار مذهب أهل بيته حتى أنه ادعى أنه روح الله بإخباره بالمغيبات، وكان ذلك بواسطة جواسيس بثّهم في البلاد ينقلون إليه الأخبار فيزفها للناس في قالب مغيبات فلذلك كان موقف صنهاجة متحرجا.
وكان امتداد مدة ملك الحاكم أكثر من عشرين سنة (٣٨٨ - ٤١١) وشره مستطير، وتظاهراته بمخالفة الدّين بينة واضحة، فدعا ذلك الأفارقة أن يقوموا بثورتهم على المتمذهبين بمذهب العبيديين، وعمت الانتفاضة المدن الإِفريقية.
وفي طليعة المدن الناقمة القيروان، وكان رأسَ علمائها أبو علي حسن ابن خلدون البلوي الذي كان شديدا على البدع والروافض، مغريا بهم، وكانت العامة تتبعه، ويستند منه أهل السنة إلى ملجأ ووَزَر. وضايق ذلك الرافضة فلهجوا بعدائه من قبل الشيعة:
كأنَّمَا ذِكْر الهوى عنده ... ذكرى ابن خلدون لدى الشيعة (٢٧)
فلما انتفضت القيروان أتى عامل القيروان ومعه جماعة إلى مسجد أبى علي يوم الخميس الثاني عشر من شوال من السنة نفسها سنة (٤٠٧) بعد صلاة العصر، وهو جالس، وعنده جماعة فاندفع رجال الوالي إلى أبي محمد ابن العرب فقتلوه، وهم يظنونه أبا علية، لأن هذا الأخير كان سِناطا (٢٨)،
_________
(٢٧) المدارك ج٤ ص ٦٢٤.
(٢٨) السناط بكسر السين، والسنوط والسنوطي بفتح أولهما، وبالضم في الثلاثة: الكوسج الذي لا لحية له أصلًا، أو الخفيف العارض ولم يبلغ حد الكوسج، من القاموس وشرحه.
1 / 21