Mu'jiz Ahmad
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
Genre-genre
Retorik
يقول: أردن أن يقلن: جعلنا الله فداك، فخفن من الرقيب فوضعن أيديهن على ترائبهن، فإن من أراد أن يفدي غيره وضع يده على صدره. وقيل معناه: إنهن لما منعن من التفدية، وضعن أيديهن فوق صدورهن من الحزن والوجع؛ تسكينًا لقلوبهن مما فيها من ألم الفراق.
وبسمن عن بردٍ خشيت أذيبه ... من حر أنفاسي فكنت الذائبا
يقول: ضحكن عن ثغر مثل البرد، صفاءً ورونقًا، فخشيت أن أذيب هذا البرد من حر أنفاسي لما فيها من شدة الحزن، فكأنها النار، فكنت حينئذ أنا الذائب دون البرد، وبقي البرد عل حالة وذبت أنا.
يا حبذا المتحملون وحبذا ... وادٍ لثمت به الغزالة كاعبا
حبذا: كلمة تدل على حصول المحبة في قلب المتكلم، وهو اسم موضوع لذلك، وهو في موضع الرفع بالابتداء والمتحملون: خبره. والمنادى هو: حبذا أدخل فيه النداء تأكيدًا وكأنه يقول: يا حبذا المتحملون. وقيل: المنادى محذوف. أي يا قوم حبذا المتحملون. والغزالة: اسم من أسماء الشمس. والوادي: مجرى السيل في البادية.
يقول: ما أحب إلي هؤلاء المتحملون! وما أحب إلي الوادي الذي قبلت فيه حبيبتي! فكأنني قبلت شمسًا ناهدة الثديين، فلما استطاب هذا الوقت اشتاق إلى القوم الذين كانت هي فيما بينهم، وإلى الوادي الذي حصل فيه التقبيل، فكأنه يشير إلى أنه وإن منع من المحبة بخوف الرقيب اتفق له هذه الحالة المذكورة.
كيف الرجاء من الخطوب تخلصًا ... من بعد ما أنشبن في مخالبا!
تخلصًا: نصب بالرجاء لأنه مصدر، يعمل عمل الفعل، فكأنه يقول: كيف أرجو التخلص من حوادث الدهر وبلاياه، بعد أن تمكنت مني، وأدخلت في مخالبها! والتأنيث في أنشبن: للخطوب.
أوحدنني ووجدن حزنًا واحدً ... متناهيًا فجعلنه لي صاحبا
أوحدنني: يجوز أن يريد أن المحبوبات رحلن عني وتركنني وحيدًا قرينًا للحزن عليهن. ويجوز أن يكون ضمير الخطوب. أي خطوب الدهر فرقت بيني وبين أحبائي وافردتني منهم، ويجوز أن يريد: أوجدتني وحيدًا، أو واحد أزماني.
يقول: إن خطوب الدهر أوجدتني على ما ذكرناه ووجدت حزنًا وحيدًا متناهيًا في الشدة، فجعلنه لي صاحبًا وقرنته بي! فأنا وحيد والحزن وحيد.
ونصبنني غرض الرماة يصيبني ... محنٌ أحد من السيوف مضاربا
يقول: إن الخطوب جعلتني هدفًا للشدائد، ورمتني بمحن تصيبني! وهي أحد من مضارب السيوف؛ لأن من أصابته السيوف ربما يبرأ، ومن أصابته المحن لا يبرأ.
أظمتني الدنيا، فلما جئتها ... مستسقيًا مطرت علي مصائبا
أظمتني: أي أعطشتني. والأصل: أظمأتني بالهمزة. فقلبت الهمزة ألفًا، ثم حذفها لسكونا وسكون التاء بعدها.
يقول: أظمأتني الدنيا بما أصابتني من محنها، فلما سألتها أن تكشف عني بالراحة والرضا أزادتني بلاءً فأمطرت علي مصائبًا.
وحبيت من خوص الركاب بأسودٍ ... من دارش فغدوت أمشي راكبا
الخوص: جمع أخوص وخوصاء، وهو في البعير مثل الحول، إلا أنه أقل منه. وقيل: الخوصاء. الغائرة العين، وهو من أمارة الكرم. والدارش: ضرب من جلد الماعز، إذا كان مدبوغًا وتقديره: جئت بأسود من دارش ومن في قوله: من خوض الركاب. بمعنى: بدل. أي بدل ذلك.
يقول: أعطيت بدل الإبل، الخف والنعل الأسود، من جلد دارشٍ، فلبست ذلك، وغدوت أمشي راكبًا: أي صرت راكبًا عليه، وأنا ماشٍ في الحقيقة.
حالًا متى علم ابن منصورٍ بها ... جاء الزمان إلي منها تائبًا
حالًا: نصب بفعل محذوف. أي أشكوا حالًا. أوأذكر حالًا. وقيل: نصب على الحال.
يقول: لي حالٌ لو علم ابن منصور بها لغيرها إلى ما هو أحسن منها. فيكون كأن الزمان ندم على إساءته إلي، وتاب منها. وقيل: أراد جاءني الزمان معتذرًا مما جنى؛ لأنه يخاف أن ينتقم لي منه.
ملكٌ سنان قناته وبنانه ... يتباريان دمًا وعرفًا ساكبا
يتباريان: يعارض كلٌّ منهما صاحبه. والساكب: الجاري.
يقول: إن دم أعدائه يجري من سنان قناته، مثلما يجري معروفه من بنانه، فكأن كل واحد منهما يباري صاحبه وينافسه، في أن أيهما أكثر انسكابًا. ونصب عرفًا ودمًا: على التمييز.
يستصغر الخطر الكبير لوفده ... ويظن دجلة ليس تكفي شاربا
1 / 94