Mu'jiz Ahmad
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
Genre-genre
Retorik
والثانية: الدلالة على كونه رابط الجأش عند التحام القتال، حتى لم يشتغل خاطره عن الهوى في ذلك الحال.
سقى الله أيّام الصّبا ما يسرّها ... ويفعل فعل البابليّ المعتّق
البابلي: منسوب إلى بابل، وهي أرض العراق، وأراد به الشراب، والمعتق: القديم، ويفعل: أي وما يفعل. وقوله: ما يسرها يحتمل معنين: أحدهما: سقى الله من الغيث قدر ما يبلغ مرادها من الري، حتى لا يكون قاصرًا عن إرادتها، ولا زائدًا عن حاجتها فيكون مثل قول الآخر:
فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الرّبيع وديمةٌ تهمى
الثاني: أهدى إليها السرور، كما سررنا بها، وذلك أنه رأى أن دعاءه للصبا بالسقيا لا معنى له، لأنها أوقات وزمان، فقال: سقاها الله شيئًا يهدي إليها السرور والارتياح، يفعل بها فعل الشراب، فكأنه قال: سقاها الله خمرًا يسرها.
إذا ما لبست الدّهر مستمتعًا به ... تخرّقت والملبوس لم يتخرّق
يقول: إذا كنت لابسًا للدهر، وتستمتع به وتعيش فيه، تخرقت أنت، والملبوس الذي هو الدهر، لم يتخرق، بل يكون أبدًا جديدًا، بخلاف سائر الملابس، فأنت تبليها وتخرقها، وهو يبلي الأبدان، ويفنيها وهذا مثل قوله:
تغيّر حالي والليالي بحالها
ونحو قول ابن دريد:
إنّ الجديدين إذا ما استوليا ... على جديد أدنياه للبلى
وقول الآخر:
وأفناني ولا بقيا نهارًا ... وليل كلّما يمضي يعود
ولم أر كالألحاظ يوم رحيلهم ... بعصن بكلّ القتل من كلّ مشفق
المشفق: قيل من الشفقة، التي ترجع إلى معنى المحبة.
يعني: كنت إذا نظرت إليهن ونظرن إلي قتلنني وقتلتهن من خوف الفراق، وما منا إلا مشفق على صاحبه، فلم أر أعجب من الألحاظ، كيف اجتمع فيها القتل والشفقة!؟ فكأنه من قول الشاعر:
ونبكي حين نقتلكم عليكم ... ونقتلكم كأنّا لا نبالي
وقيل: المشفق: الخائف، ومعناه بعثت الألحاظ من كل خائف من ألم الفراق، كل أنواع القتل لأنها أبكتهم فسفكت دماءهم وأماتتهم.
أدرن عيونًا حائراتٍ كأنّها ... مركّبةٌ أحداقها فوق زئبق
الضمير في أدرن للألحاظ، وروى: أدرنا.
يقول: كنا نقلب عيونًا حائرات عند وداعنا، لا تبصر شيئًا مما دهانا من ألم الفراق، فكأنها من كثرة حركاتها وقلة استقرارها مركبة على الزئبق، لأن طبعه الحركة. وقيل: الحيرة ليست لامتناع الرؤية، وإنما هي لاجتماع ظهور الدمع في العين وغلبته.
وقيل: معنى البيت كنا نقلب عيوننا في النظر تارة إلى العذال وتارة إلى الأحباب، فكانت لا تستقر، كأنها ركبت فوق زئبق.
عشيّة يعدونا عن النّظر البكى ... وعن لذّة التّوديع خوف التّفرّق
يعدونا: أي يصرفنا.
يقول: كانت هذه الحالة وقت العشية حين كان البكاء يمنعنا من النظر، وخوف الفراق يمنعنا من التلذذ بالوداع والعناق.
نودّعهم والين فينا كأنّه ... قنا ابن أبي الهيجاء في قلب فيلق
الفيلق: العسكر، قلب، أي وسط.
يقول: كنا نودع الأحباب، في الحال التي كان البين يفعل في قلوبنا من التفريق مثل ما تفعل رماح سيف الدولة في قلب عساكر الأعداء من التفريق والقتل.
قواضٍ مواضٍ نسج داود عندها ... إذا وقعت فيه كنسج الخدرنق
أي هذه القنا قواض: يعني تقضي بالموت وتمضي في الأعداء، أي لا يردها شيء إذا وقعت في الدروع المنسوبة إلى داود، وتمضي فيها، كما تنفذ في نسج العنكبوت والخدرنق: العنكبوت، والتأنيث في البيت للقنا والهاء في فيه لنسج داود، وموضع قواض رفع لأنه خبر ابتداء محذوف: أي هذه القنا قواض مواض، كما تقول: هذا حلو حامض.
وقيل: هو ابتداء الكلام. والمراد أداء السيوف، والأول أظهر.
هوادٍ لأملاك الجيوش كأنّها ... تخيّر أرواح الكماة وتنتقي
هواد: جمع هادية، وقيل: هو من هديت فلانًا إذا أرشدته، ومعناه أن هذه الرماح ترشد الموت، أي تهديه إلى الملوك وقواد الجيش، فكأنها تتخير أرواح الكماة، وتنتقي نفوس الأملاك دون من عداهم.
وقيل: من هدى بمعنى اهتدى، فإن هدى واهتدى بمعنى، أي إن هذه القنا تهتدي إلى الملوك فتقتلهم.
تفكّ عليهم كلّ درعٍ وجوشنٍ ... وتفري إليهم كلّ سورٍ وخندق
روى تفك أي تحل، وتقد: أي تقطع. وتفري: أي تقطع.
1 / 288