Mu'jiz Ahmad
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
Genre-genre
Retorik
يقول: أفدي بأبي ريحك، لا هذا النرجس، لأن ريحك أطيب من ريحه، وأفدي بأبي أحاديثك لا هذا الشراب؛ لأن حديثك ألذ من الشراب فهما أحب إلينا من هذا النرجس وهذا الشراب أيضًا.
ليس بالمنكر أن برزت سبقًا ... غير مدفوعٍ عن السبق العراب
أن برزت: في موضع الرفع؛ لأنه اسم ليس، ومعناه: أن سبقت. وقوله: سبقًا نصب على التمييز، ويجوز أن يكون نصبًا على المصدر، ومعناه: أن سبقت سبقًا.
يقول: ليس من العجب أن تسبق الكرام وتبرز عليهم في مجدك، كما أنه ليس بمنكر أن تسبق الخيل العراب غيرها، وإنما لم يقل: غير مدفوعة مع تأنيث الخيل؛ لأنه في معنى يدفع، والفعل إذا قدم على جماعة المؤنث يجوز فيه التذكير والتأنيث، فهذا وإن كان اسمًا فهو حمله على الفعل وشبهه به، وقيل: أراد بالعراب: الجنس كأنه قال: جنس غير مدفوع.
وهذه الأبيات من بحر الرمل وأصله فاعلاتن ست مرات، وهو قد جاء بها على الأصل، ولم يسمع من العرب إلا محذوف العروض: وهو أن يحذف من الجزء الثالث سبب وهو تن فيبقى فاعلًا ويحول إلى مثل وزنه فيصير فاعلن.
وعذره أنه صرع الأبيات من غير إعادة القافية، وأيضًا فإنه اعتبر الأصل، لأنه أصل دائرة الرمل، فأتى بها على الأصل؛ ليعلم أن أصلها ذلك. وأما البيت الأول فلا إشكال فيه لأنه مصرع مقفى.
يصف الأسد وقتال بدر إباه وخرج بدر بن عمارٍ إلى أسدٍ، فهرب الأسد منه! وكان خرج قبله إلى أسد آخر فهاجه عن بقرةٍ افترسها، بعد أن شبع وثقل، فوثب على كفل فرسه، فأعجله عن استلال سيفه، فضربه بسوطه، ودار الجيش به فقتل. فقال أبو الطيب:
في الخد أن عزم الخليط رحيلا ... مطرٌ تزيد به الخدود محولا
أن في قوله: أن عزم الخليط مفتوحة الألف، ويكون الفعل بعدها مصدرًا. ومعناه: لأن عزم. أو لأجل أن عزم ومثله: " أن كان ذا مالٍ " ويجوز كسرها، فتكون شرطًا وجوابه محذوف. أو إن عزم الخليط رحيلا: أي عزم على الرحيل، فحذف الجار كقول عنترة.
ولقد أبيت على الطوى وأظله
أي أظل عليه. ومحولا: يجوز أن يكون مصدرًا، ويجوز أن يكون جمع محل مثل كعب وكعوب. والخليط: المخالط، ويقع على الواحد والجمع.
والمعنى: إن في خدي من أجل فراق أحبائي، دمعًا متقاطرًا كالمطر في التقاطر والسيلان، ولكنه يخالف المطر في الفعل؛ لأن المطر يخصب المحول وينبت البقول، ودمعي يجري على خدي الناضر، فيبطل نضرته ويغير حسنه ويزيد ذبوله. وهو المراد بالمحول.
يا نظرةً نفت الرقاد وغادرت ... في حد قلبي ما حييت فلولا
نصب نظرةً؛ لأنها منادى نكرة. ومعناه: التعجب كقوله تعالى: " يا حسرةً على العباد " وفلول: جمع فل، وهو الأثر في الحد، من السكين وغيره.
يقول: يا نظرة عند الوداع ما أعظمها! فإنها نفت الرقاد عني، وغادرت في قلبي أثرًا لا يندمل ما دمت حيا.
كانت من الكحلاء سؤلي إنما ... أجلي تمثل في فؤادي سولا
كانت: راجعة إلى النظرة. والكحلاء: يجوز أن يكون من التكحل، ويجوز أن يكون من الكحل: الذي هو خلقة.
يقول: كانت تلك النظرة من هذه الجارية الكحلاء سؤلي وأمنيتي، فلما نظرت إليها كانت تلك النظرة أجلًا لي في الحقيقة لا سؤلا! وترك الهمزة من سولًا، لأن الواو ردف فلا يجوز غير ذلك.
أجد الجفاء على سواك مروءةً ... والصبر إلا في نواك جميلا
المصراع الأول له معنيان: أحدهما: أن من المروءة ترك جفائك، إلا على غيرك. فقد أمنت جفاءك لأنني لا أراه مروءة وليس ترك المروءة من عادتي، فلا أجفوك أبدًا.
والثاني: أن جفاء الناس إياي، على سواك لا أحتمله لأن احتماله ليس من المروءة، فإذا كان احتماله من المروءة لأجلك، فاحتمال الصبر في كل حادثة جميل، إلا في بعدك وهجرك، فإنه قبيح.
فأول البيت مأخوذ من قول أبي عبادة البحتري:
ألام على هواك، وليس عدلًا ... إذا أحببت مثلك أن ألاما
وآخره من قول الآخر:
والصبر يحسن في المواطن كلها ... إلا عليك فإنه مذموم
وأرى تدللك الكثر محببًا ... وأرى قليل تدلل مملولا
التدلل: الدلال والغنج.
يقول: إن الدلال الكثير منك محبب، وأنا أمل القليل من غيرك ومثله:
ويقبح من سواك الفعل عندي ... فتفعله فيحسن منك ذاكا
1 / 126