صحيح، ولم يكن يحدث إلا من أصل كتبه وكان يقول: متى لم يكن الأصل بخطي لم أفرح به. ولذلك شهد له العلماء بالتقدم في علم الحديث فقال ابن المفضل: كان أوحد زمانه في علم الحديث، وأعرفهم بقوانين الرواية والتحديث، وقال السمعاني: أبو طاهر ثقة ورع ثبت فهم حافظ. وقال ابن شافع: السلفي شيخ العلماء. ولذلك فلا غرابة إذا قصده طلاب الحديث من كل صوب.
أما منزلته في غير الحديث فإنها دون ذلك. فكان ذا حظ من العربية وله رسائل وينظم الشعر، وما وصلنا من شعره يدل على إيثاره للنواحي التعليمية والأخلاقية، وكان يؤثر رواية هذا اللون منه، ويحب ما اندرج في باب الزهد والحكمة. وكان متقنًا للقراءات، قرأ بحروف متعددة، وحصل هذا العلم في دور مبكر (عام ٤٩١) . وأما في الفقه فلم يصلنا من آرائه إلا اليسير. فنحن نعلم مثلًا أنه كان ينكر القراءة بالألحان ويراها بدعة، مخالفًا بذلك من يرون جوازها. وفي زمنه رفع اليهود إلى صلاح الدين يسألونه أن يتحاكموا إلى مقدم شريعتهم وأن يتوارثوا حسب شرعهم من غير أن يعترضهم في ذلك معترض، فألقى صلاح الدين هذه المسألة على الفقهاء من المالكية والشافعية ليفتوه فيها فكتب السلفي: " الحكم بين أهل الذمة إلى حاكمهم إذا كان مرضيًا باتفاق منهم كلهم، وليس لحاكم المسلمين النظر في ذلك إلا إذا أتاه الفريقان ". ولما ناقش السبكي (والد صاحب الطبقات) هذه الفتيا قال في التعليق عليها: " وأما السلفي فهو محدث جليل حافظ كبير وماله وللفتوى، وما رأيت له قط فتوى غير هذه، وما كان ينبغي له أن يكتب فإن لكل عمل رجالًا ".
1 / 8