176

Mucin Hukkam

معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام

Penerbit

دار الفكر

Nombor Edisi

بدون طبعة وبدون تاريخ

Genre-genre

Fiqh Hanafi
التَّشْدِيدَاتِ. ثُمَّ جَاءَ آخِرُ الزَّمَانِ وَضَعُفَ الْجَسَدُ وَقَلَّ الْجَلَدُ، فَلَطَفَ اللَّهُ بِعِبَادِهِ فَأُحِلَّتْ تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتُ وَخُفِّفَتْ الصَّلَوَاتُ وَقُبِلَتْ التَّوْبَاتُ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْأَحْكَامَ وَالشَّرَائِعَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَذَلِكَ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ ﷿ بِعِبَادِهِ وَسُنَّتِهِ الْجَارِيَةِ فِي خَلْقِهِ، وَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْقَرَائِنَ لَا تَخْرُجُ عَنْ أُصُولِ الْقَوَاعِدِ، وَلَيْسَتْ بِدَعًا عَمَّا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ الْمُكَرَّمُ. [الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الدَّعَاوَى بِالتُّهَمِ وَالْعُدْوَانِ] وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: [الْقِسْمُ الْأَوَّلُ]: أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَرِيئًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ التُّهْمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا مَشْهُورًا، فَهَذَا النَّوْعُ لَا تَجُوزُ عُقُوبَتُهُ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْمُتَّهِمُ لَهُ بِذَلِكَ فَيُعَاقَبُ صِيَانَةً لِسُلْطَةِ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْعُدْوَانِ عَلَى أَعْرَاضِ الْبُرَآءِ الصُّلَحَاءِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مَا وَقَعَ فِي شَرْحِ التَّجْرِيدِ فِي آخِرِ مُتَشَابِهِ الْقَذْفِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: يَا فَاسِقٌ يَا لِصٌّ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَلَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ فَعَلَى الْقَاذِفِ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّ الشَّيْنَ يَلْحَقُهُ إنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ بِهِ لَمْ يُعَزَّرْ اهـ. هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ تَقْسِيمِ الدَّعَاوَى مِمَّا لَا يَسْمَعُهُ الْحَاكِمُ وَيُؤَدِّبُ الْمُدَّعِيَ بِسَبَبِ مَا ادَّعَاهُ الَّذِي وَعَدْنَاكَ بِالْإِتْيَانِ بِهِ فِي أَحْكَامِ السِّيَاسَةِ. [الْقِسْمُ الثَّانِي]: وَهُوَ الْمُتَّهَمُ بِالْفُجُورِ كَالسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْقَتْلِ وَالزِّنَا، وَهَذَا الْقِسْمُ لَا بُدَّ أَنْ يُكْشَفُوا وَيُسْتَقْصَى عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ تُهْمَتِهِمْ وَشُهْرَتِهِمْ بِذَلِكَ، وَرُبَّمَا كَانَ بِالضَّرْبِ وَبِالْحَبْسِ دُونَ الضَّرْبِ عَلَى قَدْرِ مَا اُشْتُهِرَ عَنْهُمْ. قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيُّ: مَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ: إنَّ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذِهِ الدَّعَاوَى وَمَا أَشْبَهَهَا يَحْلِفُ وَيُرْسَلُ بِلَا حَبْسٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَيْسَ تَحْلِيفُهُ وَإِرْسَالُهُ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ، وَلَوْ حَلَّفْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَأَطْلَقْنَاهُ وَخَلَّيْنَا سَبِيلَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِاشْتِهَارِهِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَكَثْرَةِ سَرِقَاتِهِ وَقُلْنَا: إنَّا لَا نُؤَاخِذُهُ إلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ كَانَ الْفِعْلُ مُخَالِفًا لِلسِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّرْعَ تَحْلِيفُهُ وَإِرْسَالُهُ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا لِنُصُوصِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَلِأَجَلِ هَذَا الْغَلَطِ الْفَاحِشِ تَجَرَّأَ الْوُلَاةُ عَلَى مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ وَتَوَهَّمُوا أَنَّ السِّيَاسَةَ الشَّرْعِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَنْ سِيَاسَةِ الْخَلْقِ وَمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ، فَتَعَدَّوْا حُدُودَ اللَّهِ وَخَرَجُوا عَنْ الشَّرْعِ إلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الظُّلْمِ وَالْبِدَعِ فِي السِّيَاسَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ، وَسَبَبُ ذَلِكَ الْجَهْلُ بِالشَّرِيعَةِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ مَنْ تَمَسَّكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَنْ يَضِلَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ أَفْعَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا يَدُلُّ عَلَى عُقُوبَةِ الْمُتَّهَمِ وَحَبْسِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْمُتَّهَمِينَ يَجُوزُ ضَرْبُهُ وَحَبْسُهُ لِمَا قَامَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ. (مَسْأَلَةٌ): رَجُلٌ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ فِي مَنْزِلِهِ فَبَادَرَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَقَتَلَهُ وَقَالَ: إنَّهُ دَاعِرٌ دَخَلَ عَلَيَّ لِيَقْتُلَنِي، فَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ مَعْرُوفًا بِالدَّعَارَةِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا وَجَبَ. مِنْ الْإِيضَاحِ. (مَسْأَلَةٌ): وَفِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ إذَا وُجِدَ عِنْدَ الْمُتَّهَمِ بَعْضُ الْمَتَاعِ الْمَسْرُوقِ وَادَّعَى الْمُتَّهَمُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ - فَهُوَ مُتَّهَمٌ بِالسَّرِقَةِ وَلَا سَبِيلَ لِلْمُدَّعِي إلَّا فِيمَا بِيَدِهِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِذَلِكَ فَعَلَى السُّلْطَانِ حَبْسُهُ وَالْكَشْفُ عَنْهُ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يُطَالُ فِي حَبْسِهِ حَتَّى يُقِرَّ. (مَسْأَلَةٌ): إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَّهَمًا قَالَ بَعْضُهُمْ: يُمْتَحَنُ بِالسِّجْنِ بِقَدْرِ رَأْيِ الْإِمَامِ. وَكَتَبَ

1 / 178