Masalah Peradaban Moden
معضلات المدنية الحديثة
Genre-genre
لقد ناضل الغرب ضد رجال الدين وصارعهم، لا لشيء إلا ليفوز بتكوين هذه العقلية، وما زال يصارع ويناضل حتى استطاع أن يقيم للحياة فنا جديدا، هو الآن قبلة الغرب بل ومعبوده الأعلى (ص6).
لم يكن لمذاهبنا القديمة سوى قاعدة منطقية واحدة، ولم تتكون فيها سوى عقلية بعينها، وتلك القاعدة وهذه العقلية لم ينصرفا طوال الأعصر عن شيء واحد، هو أن يرجعوا بكل شيء استنتاجا واستقراء إلى الكتب الدينية، هذا بينما كانت العقلية الغربية تنظر في الحياة بعين إنسانية، وتنظم الحياة على مقتضى ما ترى هذه العين من حقائق الوجود. وإنه لمن أشد الأشياء خطرا أن نبحث الحياة الغربية بعقلية شرقية، لأن من الجائز أن يغوينا هذا النهج، فنقبل جزءا من مجموع الحياة الغربية أو أجزاء نكيفها تكييفا خاصا أو نرفض قبول ناحية من نواحيها أو نكل تطبيق شيء منها إلى المستقبل، ثم نقول إن لدينا من الحياة الغربية أجزاء ونتفا. وما من شك في أن هذا النهج كان سببا في وقوع أكبر المصائب وأعظم الكوارث التي انتابت تركيا في الماضي. ولقد عملنا بأقصى الجهد لكي نوفق بين الناحيتين، فدلت التجاريب على أن التوفيق بينهما مستحيل، فإن أهل الغرب إنما يعتقدون بأن الناس للناس، أي إنسانيون، بل إن مطامعهم الأولية في الحياة تنحصر في أن يعيشوا في هذه الدنيا على أكمل وجه تتطلبه الرجولة الكاملة، أما أهل الشرق فموقنون بأن الناس ملك لله، ويحاولون دائما أن يحققوا وجود الحياة الأخرى في هذه الحياة. ولا جرم أن هاتين النظرتين لا يمكن التوفيق بينهما (ص7).
على أننا لم نعترف بهذه الحقائق في الماضي، ولم نواجهها بما تتطلب من الشجاعة الأدبية والاستقلال في الرأي، ومن أجل هذا كله نجد أنفسنا في أشد الاحتياج لأن نصطبغ بصبغة العقلية الأوروبية الحديثة. وما من سبب لذلك التنابذ الشديد الذي قام بين فريقي الأمة التركية إلا وجود هذه العقلية في ناحية، حيث تقوم في ناحية أخرى العقلية الدينية العربية، وهذا أخطر ما تتعرض إليه الجمهورية التركية من الأحداث (ص13). (2)
لم تسلم الأمم الآسيوية يوما ما من الفقر والتعاسة، وليس لهذا من سبب سوى أنها اعتادت على أن تستقرئ أحكامها المعاشية كلها من تشريعها الديني المقدس. ولن تقف على طابع آخر غير هذا إذا ما قلبت تاريخ مصر والهند وفارس واليابان القديمة والصين وطوران وبلاد العرب، فإن هذه الأمم لجهلها قد نسبت لأمرائها وسلاطينها أو لغيرهم من مقدمي الانتهازيين صفات قدسية حينا، أو سلطة إيحائية حينا آخر، وكان من نتائج هذه العقلية أن تردت الأمم الآسيوية في وهدة التعاسة والشقاء. (ص14).
أما المعركة القائمة اليوم فموجهة بكل ما فيها من قوة إلى القضاء على هذه العقلية الآسيوية، والحالة جلية واضحة، فلست تجد في أوروبا مثقفا أو غير مثقف يمضي في أعماله متواكلا على سلطة الوحي. أما في آسيا فإنك لا تجد شيئا اللهم إلا الأنبياء
1
والقديسين والحكام الذين يستمدون سلطتهم من الله مباشرة، تجد الأوامر والنواهي القدسية متغلغلة في تضاعيف العديد الأوفر من الشئون الخاصة الصرفة للناس، محتكمة في كل وجه من وجوه حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والتجارية والإدارية، ولديهم أن هذه الأوامر والنواهي هي أوامر الله ونواهيه، وعلى هذا لا يمكن تبديلها أو تكييفها. فإذا تبدل الزمان وتكيف وجمدت هذه الأوامر والنواهي مقصرة عن اللحاق بروح العصر نشوءا وارتقاء، فإنك لا تجد من شيء اللهم إلا نبيا آخر مرسلا بتعاليم جديدة، ولا مرية في أن تتابع ظهور الأنبياء في آسيا طابع خاص بها، لا تفاضلها فيه بقعة أخرى من بقاع الأرض (ص16).
على أن أعجب ما ترى في كل هذا أن كل نبي من هؤلاء الأنبياء قد نصح للناس وأهاب بهم أن ينكروا حقيقة هذه الحياة بكل ما فيها، وأن يتلظوا حرقة إلى الحياة الآخرة، وفي هذا ينحصر كل ما يقصد بوذا من النرفانا، وكل ما يقصد الإسلام من الفردوس (ص17). وهذه العقلية قتلت في الشرق فكرة النقد، كما غشت على العقول والأفهام بأغشيتها الثقيلة.
بيد أن هؤلاء الأنبياء الذين حكموا الدول وساسوا الممالك لم يقنعوا بأن يفرضوا على الناس أوامر الدين ونواهيه، بل صبغوهم بأخلاقهم ودهنوهم بطلائهم. فإن الإسلام مثلا قد صبغ المسلمين، فضلا عن الدين، بصبغة الحياة العربية الاجتماعية في كل مكان وآن، واضطر الناس على أن يقبلوا مذعنين لا الله والدين وحدهما بل حياة العرب العائلية والاجتماعية والخلق العربي والعادات العربية بصورة كلية واللغة العربية بصورة جزئية. كذلك لم يفرقوا بين الدين والقومية، فإن الدين والقومية ظلا في الشرق شيئا واحدا طوال الأزمان، ولهذا لا تقع في الشرق على حركة اجتماعية صبغت بالروح القومية على إطلاق القول (ص18).
لقد لعن بوذا هذه الحياة وكذلك مذاهبنا القديمة، فإنها لم تعمل إلا لتمهد الطريق للحياة الأخرى. ولقد أخذت أمم آسيا كلها بموحيات هذه التعاليم النظرية، وعلى هذه القاعدة قيد «اللاما» أمة الصين، والبراهمة أمم الهند، و«الآخوند» أمة الفرس، وأئمة الإسلام تركيا. أما العقلية التي اختفت وراء هذه التعاليم فتتكون من الاعتقاد بما يأتي: (1)
Halaman tidak diketahui