Masalah Peradaban Moden
معضلات المدنية الحديثة
Genre-genre
بحث فلسفي اجتماعي في الأسباب التي قام عليها الانقلاب التجديدي في تركيا وأثره في تغيير أساليب الفكر
من وراء الانقلابات التاريخية والثورات الاجتماعية تكمن البواعث النفسية والانفعالات والمعتقدات وفلسفة الحياة، التي تقسر الجماعات على أن تهدم ما هو قائم لتشيد عليه بناء من لبنات تربط بينهما الأفكار والمنازع العقلية والنفسية التي تكون قد استحدثت على مر الأيام. وليس في التاريخ الحديث كله من انقلاب هو أشبه بالطفرة منه بأي شيء آخر كالانقلاب التركي الحديث، وهو ككل انقلاب أو فورة فجائية تكمن وراءه بواعث نفسية ومعتقدات وانفعالات تكون لدى الواقع في مجموعها فلسفة توجه الفكرات والآراء إلى وجهة في الحياة لا يظهر منها إلا نتائجها التي تتجلى في المعاهد التعليمية والنظامات الأهلية والسياسية والاجتماعية. بهذا يؤمن كل من درس حوادث التاريخ مطبقة على علوم الاجتماع الحديثة. فإذا كان هذا هو الواقع ، وإذا اعتقدنا بأن وراء الظواهر الملموسة في الانقلاب التركي الحديث قد كمنت فلسفة ساقت إليه؛ كان الوقوف على حقيقة هذه الفلسفة أمر ضروري للحكم على قيمة هذا الانقلاب ومقدار ثباته وقوته، ومقدار تأثيره في الإدراك العام، أو كما يدعونه اصطلاحا «العقلية العامة» التي تتكون من مجموع الأغراض التي يرمي إليها زعماء الانقلاب، ومجموع المبادئ التي يؤمنون بصحتها.
ولقد اتبع زعماء الانقلاب التركي نفس الطريقة التي اتبعها زعماء الانقلاب الروسي البلشفي في ترويج دعوتهم بالكتابة والنشر، فظهر خلال الأعوام الخمسة الماضية مؤلفات عديدة تؤيد فلسفتهم الحديثة التي رموا بها إلى إخضاع العقلية الآسيوية أولا ثم القضاء عليها ثانيا؛ لتحل محلها العقلية الأوروبية الحديثة. ومن بين الكتب التي ظهرت كتاب يعده زعماء حزب التجديد في تركيا إنجيلا يوحي إليهم بكل ما يحتاجون إليه من مبادئ الرقي والنهوض، كما يعد الماركسيون والبلاشفة كتاب «كارل ماركس» إنجيل النظام الشيوعي.
وضع هذا الكتاب مؤلف من الظاهر أنه أحاط كثيرا بتاريخ تطور الفكر الإنساني، وعلى الأخص بتاريخ تنازع البقاء بين اللاهوت والعلم في العصور الوسطى، ولقد طبق المبادئ التي استخلصتها العقلية الأوروبية من طريق جهادها الطويل إزاء اللاهوت على الحالة الواقعة في الشرق أحسن تطبيق، وعرف كيف يظهر آراءه وأفكاره في قالب جلي واضح، ونجح كل نجاح في إظهار الفرق بين العقلية الآسيوية كما سماها وبين العقلية الأوروبية، وقضى بأن العقلية الأوروبية ارتقائية في حين أن العقلية الآسيوية رجعية جامدة، فلا مندوحة إذن من غرس العقلية الأوروبية في نفوس الأفراد والجماعات إذا ما أراد شعب أن يخطو نحو الارتقاء على النهج الذي سارت فيه أمم الغرب منذ أربعة قرون من الزمان.
اسم الكتاب «كتاب مصطفى كمال» ومؤلفه «قابيل آدم»، ومن الواضح من اسم الكتاب أن الآراء التي بثت فيه والمبادئ التي دافع عنها هي في حقيقتها فلسفة المصلح الكبير التي كمنت وراء الظواهر الانقلابية التي قامت عليها الثورة التركية الحديثة، والانتصار في ميداني الحرب والاجتماع. وما كان لنا أن نعلق على هذه الآراء بشيء ما ولكن يكفينا أن نستخلص منها لبابها؛ لنظهر القارئين على حقيقة هذا الانقلاب، وما يكمن وراءه من المبادئ الارتقائية والأفكار التشيدية الكبيرة وهي في مجملها لا في مجموعها، مما لا يستطيع عقل مثقف على النمط الحديث أن ينكر أن فيها من عناصر الحق والقوة ما سوف يجعلها دستورا عاما للعقلية التجديدية في أنحاء الشرق كله، على أن تصفى من بعض ما فيها من نزعات التطرف والإفراط.
بدأ المؤلف كتابه بتلخيص عام عن مناحي الفكرة المبثوثة فيه، وحصر الكلام في العقلية التي قامت عليها الثورة التركية الأخيرة. ومن أجل أن نكون أصدق تعبيرا عن حقيقة الآراء والمبادئ التي قامت عليها الثورة الكبرى، نمضي في ترجمة فقرات من كل فصل نلم فيها بلباب ما فيه، بحيث لا يفوت القارئ شيء من حقائق الكتاب وكلياته، قال: (1)
إن العقلية الأوروبية هي العقلية التي تتسق وحاجات هذه الحياة الدنيا، ونحن إنما نتبع ما توحي إلينا به هذه العقلية بحكم أننا موجودون في هذه الحياة. أما العقلية الآسيوية، فالعقلية التي تلائم الحياة الآخرة، فإذا انتقلنا إلى الحياة الباقية فهنالك نتبع ما توحي به هذه العقلية (ص3).
إن الأمم الحية في العصر الحاضر تعيش فيما يلي حدودنا الغربية، بينما يعيش في الشرق مجموع من الأمم لم يعترف لهن بحق الحياة في عصر من عصور التاريخ. إن الناس في الشرق والغرب يتفقون في كل الصفات العضوية ولكل منهم رجلان وساعدان، فمن أين حدث ذلك الفرق البين الواقع بين الناس في الغرب والشرق؟ (ص3).
لا شبهة في أن الغرب وحده هو الذي يمتع الآن بأسعد حالات الحياة، وفيه أقوى النظم الحكومية، والحياة فيه أقرب ما يستطاع إلى ما يجب أن تكون عليه الحياة الإنسانية، إذن يجب علينا أن ندرس فن الحياة الغربية لنعرف حقيقته (ص5).
لقد استأنست أمريكا وأعترف لها بحق الحياة من طريق العلم الغربي، وتحضرت اليابان بأن اتبعت وسائل العقلية الغربية، وكذلك ممالك البلقان فإنها درست هذا الفن وقبلت كل مبادئه، فاستطاعت أن ترفع عن كاهلها نير استعبادنا، فلا مرية إذن في أن هذا الفن قد جرب واختبر، فدلت نتيجة التجاريب العديدة على صدق موحياته.
Halaman tidak diketahui