Masalah Peradaban Moden
معضلات المدنية الحديثة
Genre-genre
Interval »، وهي المدة التي تفصل بين وقوع حادثتين معينتين. ولقد ثبت لدينا من قبل أن الرائي وهو في حركة سريعة لا بد من أن يختلف حكمه على طول الأجرام عن حكمنا اختلاف حكمه عن حكمنا في مقاييس الزمان التي تلازم حركته، ولكنه مع ذلك يتفق معنا دائما على «الفترة» التي تفصل بين حادثتين تقاسان بمقتضى «المكان الزماني»، فالفترة التي يقضيها إنسان من يوم مولده إلى يوم موته قد يقدرها أحد الباحثين بألف ميل وخمسة وسبعين عاما، في حين أن آخر قد يقدرها بعدة ملايين من الأميال وستة وسبعين عاما، ذلك خلاف بين تقديريهما. أما الكمية التي تبقى ثابتة عندهما فهي مربع المسافة التي قطعها ذلك الإنسان متنقلا فوق الأرض منذ مولده حتى هلكه، ناقص مربع المسافة التي قطعها الضوء في المسافة عينها، هذه الكمية لا يمكن أن تتغير مهما اختلفت نظراتنا إليها. إن كثيرا من الكاتبين في النسبية يعتقدون أنه ليس من الضروري وضع فكرة طبيعية عن «الفترة»، ويكفي أن تعرف أنها عبارة عما يقال له في علم العدد «كمية فرضية» مثل المربع الجذري لناقص واحد، فإنك في المكان ذي الأبعاد الثلاثة يمكنك أن تمثل للمسافة الواقعة بين نقطتين بخط مستقيم يصل بينهما، أما في «المكان الزماني» ذي الأبعاد الأربعة فلا يمكننا أن نمثل ل «الفترة» الواقعة بين حادثتين بخط مستقيم أو غير مستقيم؛ لأن «الفترة» لا يمكن إدراكها إلا بمعادلة حسابية، في أن إدراكها ليس ببعيد إلا إذا أردنا أن ندركها ببصرنا؛ لأننا لم نعط من الكفات ما نستطيع بها أن نحدها بقوة أبصارنا.
أما المعنى الحقيقي الذي يقصد من النسبية فيسهل علينا إدراكه إذا فرضنا مكانا لا شيء فيه سوى كرة واحدة من المادة، ثم فرضنا بعد ذلك أيضا أننا حاولنا أن نعرف إن كانت تلك الكرة تتحرك أم هي ثابتة، فكيف نصل إلى ذلك؟ إن النظرية الخاصة التي تقول بها النسبية تقضي بأن ناظرا ما من فوق تلك الكرة لن يستطيع أن يستكشف بأية طريقة من طرق الامتحان والتجربة إن كانت تتحرك في مكان معين أم ليست متحركة، إن كل شيء تحمله هذه الكرة يظل متحركا فى اتجاهه المرسوم له سواء أكانت الكرة ذاتها ثابتة أم متحركة بسرعة ألف ميل في الساعة. والسبيل الوحيد الذي نحكم به على حركة جسم ما في حياتنا العملية هو أن نلاحظ إن كان يغير موضعه «بالنسبة» لأجسام أخر أم أن موضعه لا يتغير، أما إذا «لم توجد» أجسام أخر في الكون فإنا لا محالة نعدم هذه السبيل، من هنا نجد أنه لا سبيل مطلقا إلى الحكم على تلك الكرة بالحركة أم بالسكون، وقد لا نبعد في هذه الحال عن الحقيقة أن قضينا بأن البحث في ذلك بحث عقيم لا نتاج له.
لنفرض بعد هذا أن تلك الكرة تتحرك بسرعة ألف ميل في الساعة، فماذا نعني بذلك؟ إنها لا تكون إذ ذاك قد اقتربت من «شيء» ما دام الفرض أن المكان الذي تخيلناه لا يحوي شيئا تقترب منه أو تبعد عنه في حركتها. كذلك الحوادث التي تقع فوق تلك الكرة تقع على خط واحد وبطريقة واحدة مهما فرضنا لها من السرعة، فكل معرفتنا إذ ذاك تكون مقصورة على أن هنالك كرة موجودة، أما إذا قلنا بأنها متحركة فإنما نحن نتفوه بما لا ينقل إلينا أية فكرة، بل بما لا نفقه له معنى البتة، وليس معنى ذلك أننا لا نعرف مقدار حركتها لا غير، بل معناه أيضا أن الحركة تصبح لدينا محض اعتبار تصوري ما دام لا يوجد إلا جرم واحد في فضاء بعينه. ومن هنا نجد أن المكان متابعة لذلك وتحت تأثير هذه الحالات ليس إلا اعتبارا تصوريا أيضا، ففكرتنا في المكان هي نفس فكرتنا في شيء يمكن لجسم أن يتحرك فيه، ولا جرم أننا إذا عدمنا فكرة الحركة فعندها نفقد أيضا فكرة المكان.
ثم لنفرض أن في الكون كرتين بدلا من كرة واحدة تتحركان متقابلتين بنسبة واحدة من السرعة، ولكنهما لا تدوران حول محورهما، بل إن كلا منهما تظل حافظة لجهة واحدة في اتجاهها نحو الأخرى، ومن الجلي أن سرعتهما مهما كان مقدارها فهما إما أن تظهرا ثابتتين وإما أن تظهرا متحركتين في خط مستقيم متقابلتين أو متباعدتين، وكل ما نستطيع إذ ذاك أن نميز من تغير موضعهما ينحصر في تزايد المسافة التي تفصل بينهما أو تناقصها، أما إدراكنا لأية صورة من صور الحركة الأخر فلا نستطيعه إلا بوجود جسم ثالث نتخذه معدلا للقياس، وكل شخص يكون فوق الجرم الثالث قد يحتمل أن يرى إحدى الكرتين تنقلب على عقبها في الفضاء أو يراها متخذة أية حركة أخرى، أما إذا ظلت الكرتان غير مدركتين وجود جرم ثالث، فهذه الحركات تظل غامضة على كلتيهما، وكل ما يستطيع شخص أن يعرف فهو إن كانت المسافة التي تفصل بينهما قد زادت أو نقصت بنسبة خاصة من السرعة. فإذا أدرك شخصان فوق هاتين الكرتين وجود الجرم الثالث، فربما عزا كل منهما تغير المسافات الذي يلحظانه إلى حركة الجرم الذي يحمله لا إلى حركتهما معا. ومحصل القول أن تغير المسافة هو كل ما يستطاع إدراكه، أما الحركة المطلقة فإنها ليست فقط مما لا يمكن معرفته، بل إنها فاقدة لكل معنى البتة، ويترتب على ذلك أن المكان المطلق لا معنى له بالتبعية، لما تقدم.
من هنا نجد أن إدراك المكان كإدراك الزمان، كلاهما يتبع وجود أجسام مادية، وليس المكان إلا أثرا من آثار المادة، أما إذا فصلت بين المكان والمادة فإنه يصبح مفقود المعنى.
إننا لا نستطيع أن نرى المكان بأعيننا؛ لأن المكان ليس بشيء مادي، وما هو إلا فكرة تأتي من إدراكنا للمادة. وما دام المكان أثرا من آثار المادة، فإنا بذلك ننتظر دائما أن يقال لنا إن قدر المكان يرجع دائما إلى الثقل النوعي، فكرة من الماء قطرها 350 مليونا من الأميال يمكن أن تملأ كل مكان مستطاع تصوره، ولكن الواقع أن المادة التي تملأ أطراف الكون يقل ثقلها النوعي كثيرا عن ثقل الماء، ومن هنا حسب الباحثون أن مقدار المكان المحيط بهذا الكون عبارة عن كرة مقدارها 400 تريليون من الأميال، وكل الأشياء لا بد من أن توجد داخل هذه الدائرة، أما تصور شيء خارج عنها فلا يمكن أن يكون له معنى عندنا. افرض أن جسما يبدأ في الحركة متخذا اتجاها مستقيما في الظاهر إلى ما لا نهاية، فإنه يظل داخل هذه الكرة ولن يخرج عن حدودها، والضوء يتحرك أو ينتشر في الواقع بسرعة هائلة، وقد عرف حديثا أنه ينتشر في الفراغ بسرعة 820-299 كيلو مترا في الثانية الواحدة، غير أنه على سرعته هذه لا يستطيع أن يتحرك في حيز خارج عن دائرة المكان، فهو يسبح فقط حول هذه الدائرة ويحتاج إلى 1000 مليون من السنين ليتم سياحته، حسب تقدير سرعته قبل الاكتشاف الحديث، من نقطة مفروضة يبدأ منها إلى أن يعود إليها، ولذلك يقول البعض إننا قد نشاهد أشياء حدثت منذ 1000 مليون من السنين؛ إذ يكون الضوء الصادر عنها قد طاف حول الكون ورجع إلينا ثانية، حتى قال الأستاذ «رادنجتون»: إن بعض السدم الحلزونية ليست سوى طيوف حقيقية من نظامنا النجمي، أي أجرام رجعت إلى مآويها ومرابضها التي خلفتها منذ 1000 مليون خلت من الأعوام. •••
إن الناموس الذي شرحناه قد يزعزع كثيرا من يقين عامة الناس؛ إذ يتساءلون: كيف يكون للمكان كمية محدودة في حين أنه لا حدود له؟ وكيف أن مقدارا يكون محدودا في حين أنه لا يكون محويا داخل حدود ما؟ إن المشبهات التي نستخلصها من مكان ذي بعد واحد أو بعدين قد تساعدنا على فهم ذلك وما يعني به: فمكان ذو بعد واحد يكون خطا، فإذا اتحد طرفا هذا الخط فإنه يصبح لا أطراف له، في حين أن طوله يكون محدودا، والمكان ذو البعدين يكون سطحا، فإذا أصبح هذا السطح سطح دائرة، حدث إذ ذاك أنه يكون بغير حدود، في حين أن هذا السطح يمكن معرفة مقداره بالقياس، فهو بذلك كمية محدودة. فحشرة من الحشرات الدنيا مثلا في مستطاعها أن تجوب أنحاء هذا السطح إلى ما لا نهاية، من غير أن نصبح في زمن من الأزمان أقرب إلى نهاية السطح أو أبعد عنه، وإذا لم يوجد في العالم شيء سوى هذا السطح، فحينذاك يصبح المكان عبارة عن هذا السطح، لا أقل ولا أكثر، فالمكان غير متناه باعتبار أنه لا يمكن أن يكون له آخر تصل إليه، ومتناه باعتبار أن له مساحة محدودة وقدرا محدودا.
وفي كلتا الحالتين، حالة الخط وحالة السطح، إذا أريد أن يصبحا محدودين فإنه لا بد من أن ينحنيا، فإن خطا مستقيما إذا ذهب في امتداد واحد دائما فإن طوله يصبح متناهيا، فإذا أردنا أن نحد طوله ولا نحد أطرافه فلا بد من أن ينحني ليلتقي طرفاه في نقطة، وهذا الانحناء لا يحدث إلا في البعد الثاني، أي إنه لا بد من أن يحوز مساحة، والمساحة هي عبارة عما يكون له عرض كما يكون له طول، فالخط ذاته ولو لم يكن له إلا صفة الطول وليس له غير بعد واحد، فإنه إذا التحم طرفاه حاط مكانا ذا بعدين. وهذه هي الحال بعينها في السطوح، فإن السطح إذا كان منبسطا تمام الانبساط فإنه يكون ذا مساحة غير متناهية، فإذا أردت أن تجعل مساحته محدودة في حين يكون غير ذي أطراف متناهية، فيلزم أن ينحنى في البعد الثالث، كما لو كنت تجعله يحوي داخله كمية محدودة، ككرة مثلا أو أسطوانة أو غير ذلك.
كذلك المكان الخاص بهذا الكون الذي نعرفه قد يقال فيه ما يقال في غيره؛ لا حدود له، وهو في الوقت ذاته ذو كمية محدودة، ويرجع الكلام في هذا إلى الناموس ذاته، أي إلى القول بأن المكان ذا الأبعاد الثلاثة لا بد من أن يأخذ انحناءه في البعد الرابع، والأستاذ «أينشتين» نفسه يعتقد أنه منحن انحناء أسطوانيا، ويقول غيره بانحنائه على أشكال أخر. غير أن كل هذا يتوقف على أنه مسألة معادلات رياضة لا يمكن أن تصبح في يوم ما مرئية رأي العين، فبمجرد ما يبدأ البعد الرابع في التأثير فإن مقدرتنا على تقدير الأبعاد بالنظر تعدم بتاتا. ومن السهل الهين أن ترى بعينك كمية متناهية لا حدود لها في مكان ذي بعد واحد أو بعدين، ومن طريق هذه المشابهة والقياس عليها نستطيع أن نكون فكرة لما نعني من الكلام في انحناء المكان، وكيف أن مكاننا في مجموعه لا يمكن أن يكون كمية يستطاع قياسها، في حين أنه يكون في مقدورنا أن نتحرك إلى ما لا نهاية داخل ذلك الشيء الذي يخيل إلينا أنه خط مستقيم، ومع ذلك فلا نبتعد عن المكان ذاته أكثر من عدد مخصوص في تريليونات الأميال تقاس من النقطة التي تبدأ منها. •••
إن نظرية النسبية في حالتها الحاضرة لم تتخلص بعد من الأشياء المطلقة في ذاتها تخلصا تاما، فإنه يوجد مثلا كما يقول الأستاذ «إنجتون» مستقبل مطلق وماض مطلق، أي أزل وأبد، ومن هنا نستطيع أن نعتبر الزمان امتدادا لا نهائيا غير محدود، ليس له أول وليس له آخر، من هنا تذهب فكرة الحدوث المشترك ذهابا تاما، ولماذا؟
Halaman tidak diketahui