Muawiyah bin Abi Sufyan

Abbas Mahmud Al-Aqqad d. 1383 AH
81

Muawiyah bin Abi Sufyan

معاوية بن أبي سفيان

Genre-genre

تلك جملة الآراء التي أشار بها معاوية على الخليفة، وما من رأي منها إلا والنفع فيه ثابت لمعاوية غير ثابت لعثمان، وربما كان في معظمها ما يضره ولا يجديه.

فليس قتل علي وطلحة والزبير بالأمر الهين الذي يدفع الشر عن الخليفة، وليس هو بالخطة التي يختارها معاوية لنفسه لو كان في موضع عثمان، وقد أعفى معاوية نفسه من التضييق على صعصعة ورهطه، كما ضيق عليهم عبد الرحمن بن خالد، فليس من خطته التي يختارها لنفسه، ويحمل تبعتها على عاتقه أن يقتل ثلاثة من أقطاب الصحابة كعلي وطلحة والزبير، كما أشار على عثمان، وإنما يبوء عثمان تبعتها ويترك الأمر من بعده لمعاوية بغير منافس ينافسه عليها، بعد مقتل الثلاثة الذين كانوا مرشحين لها عند أهل الحجاز وأهل الكوفة وأهل مصر، أما أهل الشام فهم في ولايته لا يعرفون أحدا غيره ينافسه باسمهم عند اختلاف المختلفين، وليس ثمة مختلفون إذا نفذ القضاء في الأقطاب المقتولين.

وأما الإشارة على عثمان بإقامة أربعة آلاف من خيل الشام يحرسونه، فهو تسليم للحجاز إلى يدي معاوية في حياة الخليفة وبعد حياته، فلا يقدر أحد على بيعة فيه غير البيعة التي يرضاها، ولا تقع هذه البيعة أصلا لمن يستجيب لها أو لا يستجيب.

والخروج من المدينة إلى الشام مع معاوية ينقل العاصمة إلى دمشق، ويجعل القول الفصل بعد موت الخليفة لصاحب القول الفصل فيها، وما من أحد قط ينتفع من العمل بهذه النصائح غير معاوية في جميع الحالات. •••

وقد نقل الرواة والمؤرخون عن كل ناصح أنه أشار على عثمان بترك خطة من خططه في السياسة العامة، ولم ينقل مثل ذلك عن معاوية في جليل من الأمر ولا يسير، ولم يقف مثل موقفه غير مروان بن الحكم الذي لا يملك أن ينهى عثمان عن شيء؛ لأنه كان سبب الشكوى وصاحب التبعات جميعا في كل مأخذ من مآخذ الثوار على العهد كله والسياسة بجملتها، فإذا كان سكوت مروان عن النصح بالتغيير مفهوما متوقعا فمثل هذا السكوت من معاوية لا يفهم إلا على وجه واحد، وهو أنه يعفي نفسه من تبعة النصيحة ليملي للخليفة فيما يرضاه، ويعلم أن التغيير النافع يصيبه في مقدمة الولاة المحسوبين على العهد كله، وقد كان يتعهد للخليفة بكفايته أمر الشام ويسأله أن يفرض على الولاة الآخرين مثل ذلك اليوم ... فإن لم يقدروا مثل قدرته كان حقا له أن يخلفهم أو ينفض يديه من العمل والمشورة.

وأثبت ما ثبت من منفعة معاوية بتلك المطالب التي عرضها على الخليفة في شدته - مطلبه أن تكون له ولاية الدم بعد مقتله، فإنه بمثابة ولاية العهد بإذن صاحب الأمر، إذ كان القصاص إنما يتولاه القائم بالشريعة حيث تقام حدود الدين، ولم يكن عثمان ليخشى عليه القتل من فرد يعتدي عليه غيلة فيكون عمل ولي الدم أن يقتاده إلى الحاكم القائم بالشريعة، ولكنه خشي عليه القتل من جماعات ثائرة لا يتولى إدانتها والقصاص منها غير صاحب سلطان أقوى من سلطانها، وسلطان من تؤيده وتطيعه على شرطها، فإذا كان معاوية قد طلب ولاية الدم بعد مقتل عثمان؛ فقد طلب ولاية العهد وفارقه وهو يعلم أنه مقتول.

وأوشك الخليفة أن يقتل، فإذا نظرنا في أرجاء العالم الإسلامي يومئذ لم نجد أحدا أقدر على نجدته من معاوية؛ لأنه الوالي المستقر في ولايته منذ عشرين سنة يقصى عنها كل من يعاديه، ويبقى فيها كل من يواليه، وغيره من الولاة في ذلك العهد بين معزول أو معتزل، أو مهدد في سلطانه، كما هدد الخليفة في عاصمته، ومن كان حول الخليفة من سروات

6

المدينة فليس في وسعه أن ينصره بقوة أقوى من الدولة وحراسها وأشياعها، فإذا جمح السفهاء جماحهم الذي يغلب الدولة على قوتها وهيبتها؛ فحري ألا يصده زاجر ولا ناصح ممن لا يملكون غير الزجر والنصيحة. •••

وأيا كان القول في السروات الآخرين، فواجب معاوية واضح لا لبس فيه، وليس مما يقيله من هذا الواجب أن الخليفة أبى عليه إقامة جيش دائم إلى جواره يرزقه من بيت المال، فإن عمل الجيش الدائم غير عمل النجدة العاجلة، ولا يلام والي الشام على نجدة عاجلة بعد أن طلب الخليفة النجدة من الولاة، ولو أنه كان يلام على ذلك، لكان اللوم أهون عليه من ترك الخليفة لقاتليه يسفكون دمه، وهو معتذر بأمر صدر إليه في حال غير هذه الحال.

Halaman tidak diketahui