فتزودَّدوا لا تهلكوا ... من دون أَهلكم خفاتا
قال وعاش ذويد بن نهد أربعمائة سنة وستا وخمسين سنة، فلما حضره الموت قال:
أَلقى غليَّ الدهرُ رجلا ويَدا ... والدَّهر ما أصلح يوما أَفسدا
يُفسد ما أَصلحه اليوم غدا وقال أيضا:
يا رب نهبٍ صالحٍ حويتُهُ ... وربَّ حَسَنٍ لوَيتُهُ
اليوم يبني لدويد بيتُهُ ... لو كان للدَّهر بلى أَبليتُهُ
أَو كان قرني واحدا كفيتُهُ
ثم مات مكانه.
قالوا: وجمع بني عند الموت، فقال: " أوصيكم بالناس شرَّا، لا تقبلوا لهم معذرة ولا تُقيلُوهم عثرة، أوصيكم بالناس شرا، طعنًا وضربا، قصروا الأعنَّة، اشرعوا الأسنَّة، وارعوا الكلأ وإن كان على الصَّفا، وما احتجتم إليه فصونوه، وما استغنيتم عنه فأَفسدوه على من سواكم، فإن غشّ الناس يدعوا إلى سوء الظن، وسوء الظن يدعوا إلى الاحتراس ".
وأوصى نهد بن زيد بنيه فقال: " يا بنيّ، أَوصيكم بالناس شرا، كلموهم نزرا، واطعنوهم شزرا، ولا تقبلوا لهم عذرا، ولا تقيلوهم عثرة، وقصروا الأعنَّة، واشحذوا الأسنَّة تأكلوا بذلك القريب، ويرهبكم البعيد، وإياكم والوهن فيطمع فيكم الناس ".
قال أبو حاتم، وذكر ابن الجَّصاص أن محصَّن بن عتبان بن ظالم الزُّبيديّ عاش مائتي سنة وستا وخمسين سنة، قال وهو من سعد العشيرة، وقال:
ألا يا أَسم إِنيَّ لست منكم ... ولكنَّي امرأ قومي شعوبُ
دعاني الدَّاعيان فقلت إيها ... فقالا: كلًّ من ندعو يجيبُ
أَلا يا أَسم أَعيان الرُّكوبُ ... وأَعيتني المكاسب والُّهوبُ
وصرتُ رزيَّة في البيت كلًاّ ... تأَذَّى بي الأَباعدُ والقريبُ
كذاك الدَّهرُ والأيَّام غول ... لها كلِّ سائمةٍ نصيبُ
وعاش دريد بن الصَّمة الجشمي، من جُثم بن سعد بن بكر، نحوا من مائتي سنة، حتى سقط حاجباه على عينيه، وأدرك الإسلام ولم يسلم، وقتل يوم حنين كافرا، وإنما خرجت به هوازن تتيَّمن به.
وقال دريد:
فإن يكُ رأسي كاثَّغامة نسلُهُ ... يطيف بي الولدان أَحدبَ كالقردِ
رهينة قعرِ البيت كلَّ عشيَّةٍ ... كأني أُرقَّي أو أُصوَّبُ في المهد
فمن بعد فضل من شباب وقوَّة ... وشعر أَثيثٍ حالك اللون مسودِّ
وأنه لما كبر أراد أهله أن يحبسوه، فقالوا: إنا حابسوك وما نعوك من كلام الناس، فقد خشينا أن تخلط فيروى ذلك الناس علينا، ويرون منك عارا.
قال: أَوقد خشيتم ذلك مني؟ قالوا: نعم.
قال: فانحروا جزورا، وأصنعوا طعاما، وأجمعوا إلى قومي حتى أحدث لهم عهدا.
فنحروا جزورا، وعملوا طعاما، ولبس ثيابا حسانا، وجلس لقومه، حتى إذا فرغوا من طعامهم قال:
1 / 8