فقال: يا أمير المؤمنين، أمتعني الله بك.
عليَّ لسان صارم إنّ هززته ... وركني صفيف والفؤاد موفَّر
كبرت وأفني الدَّهر حولي وقوَّتي ... فلم يبق إَّلا منطق ليس يهذر
وبين الحشا قلب كميٌّ مهذَّب ... متى ما يرى اليوم العشنزر يصبر
أهمُّ بأشياء كثير فتعتقي ... مشيَّة نفس، إنَّها ليس تقدر
تلعَّبت الأيَّام بي فتركنني ... أجبَّ السَّنام حائرا حين أنظر
أرى الشَّخص كالشَّخصين والشَّيخ مولع ... بقول أرى والله ما ليس يبصر
وقال خنابة لابنيه حين كبر، وحالا بينه وبين ماله:
ما أنا إن أحسنتما بي وحلتما ... عن العهد بالغرِّ الصَّغير فأخدع
جريت من الغايات تسعين حجَّة ... وخمسين حتَّى قيل أنت المقزَّع
المقزَّع المسوّد.
حدثنا أبو حاتم قال، قال الكلبيّ أخبرنا كعب الأسديّ، وكان معنا بخراسان قال، خبّرنا مروان بن الحكم قال، أُتي كعب بن ربيعة في منامه، فقيل له، كبر سنُّك، ورقّ عظمك، وحضر أجلك، فقل لولدك فليتمنّوا، فإنهم سيعطون أمانيهم.
فجمعهم، فقال: فلكل امرئ منكم أمنيته.
فقال الحريش: أتمّنى النَّعظ.
قال: فهم أنكح بني عامر.
وقال لقشير: تمنَّه.
فقال: اليقاء والجمال، فهم أجمل بني عامر، وأطولهم أعمارا، كان منهم ذو الرُّقيبة، كان في الجاهلية رجلا، ثم أدرك معاوية، ومعه ألف ظعينة، تقول هذه يا أبتاه، وهذه يا جدّاه، وهذه يا عمّاه؛ ومنهم حيدة أدرك الجاهلية، ثم أدرك بشر بن مروان، أو زمن أسد بن عبد الله بخراسان وهو عم ألف رجل وامرأة.
ثم قال لجعدة: تمنَّه.
فقال: اللبن والتَّمر، فهم أكثر بني عامر لبنا وتمرا.
ثم قال لعقيل: تمنَّه.
فقال: الإبل، فهم أكثر بني عامر لبنا وإبلا؛ ويقال، بل تمنَّى عقيل العدد والشِّدة، فليس في بني كعب بطن أشدّ ولا أعدّ من بني عقيل.
ثم قال لحبيب: تمنَّه.
قال: المحبّة من أخوتي، فكب بني كعب يتعطّف عليهم.
قالوا: وعاش أبو زبيد الطائي، وهو المنذر بن حرملة من بني حيّة خمسين ومائة سنة، وكان نصرانيا بالرقة فيما حدّث به الكلبيّ عن أبي محمد المرهبيّ، وكان يجعل له في كل أحد طعام كثير، ويهيَّأ له شراب كثير، ويذهب أصحابه يتفرّقون في البيعة، ويحملنه النساء فيضعنه في ذلك المجلس، فجعل له طعام في أحد من تلك الآحاد، وقدِّمت أباريقه وحملته النساء، فجاءه الموت، فقال:
إذا جعل المرءُ الَّذي كان حازما ... يحلُّ به حلَّ الحوار ويحمل
فليس له في العيش خيرٌ يريده ... وتكفينه ميتا أعفُّ وأجمل
أتاني رسولُ الموت يا مرحبا به ... لآتيه وسوف والله أفعل
ثم مات، فجاءه أصحابه، فوجوده ميِّتا.
وعاش الأغلب العجليّ عمرا طويلا، وقال:
إنَّ اللَّيالي أسرعت في نقضي ... أخذن بعضي وتركن بعضي
حنين طولي وحنين عرضي ... أقعدنني من بعد طول نهضي
قالوا: وقال أبو عامر رجل من أهل المدينة عن رجل من أهل البصرة، قال أبو حاتم، وحدّث به أبو الجنيد الضرير عن أشياخه قال، قال معاوية، إني لأُحبّ أن ألقي رجلا قد أتت عليه سنّ وقد رأى الناس يخبرنا عما رأى.
فقال بعض جلسائه: ذاك رجل بحضرموت.
فأرسل إليه، فأتى به، فقال له: ما اسمك؟ قال: أمد.
قال: ابن من؟ قال: ابن أبد.
قال: ما أتى عليك من السنّ؟ قال: ستون وثلاثمائة سنة.
قال: كذبت.
قال: ثم إن معاوية تشاغل عنه، ثم أقبل عليه، فقال: - ما اسمك؟ قال: أمد.
قال: ابن من؟ قال: ابن أبد.
قال: كم أتى عليك من السنّ؟ قال: ثلاثمائة وستون.
قال: فأخبرنا عمّا رأيت من الأزمان، أين زماننا هذا من ذلك؟ قال: وكيف تسأل من تكذِّب؟ قال: إني ما كذَّبتك، ولكني أحببت أن أعلم كيف عقلك.
قال: يوم شبيه بيوم، وليلة شبيهة بليلة، يموت ميّت، ويولد مولود، فلولا من يموت لم تسعهم الأرض، ولولا من يولد لم يبق أحد على وجه الأرض.
قال: فأخبرني هل رأيت هاشما؟ قال: نعم، رأيته طُوالا، حسن الوجه، يقال، إن بين عينيه بركة أو غرَّة بركة.
قال: فهل رأيت أميَّة؟
1 / 34