لعمري وقد جاوزت تسعين حجَّة ... وتسعين أرجو أن أعمرها غدا
فما زادني صبري على ما ينوبني ... من الدَّهر ضعفا لا، ولا كدَّ لي زندا
وأرجو وأخشى أن أموت ولم أقم ... تخذِّعني بيض ضربنا بها السُّغدا
أذلَّت لنا أركانهم بعد عزَّة ... وكانوا أباة حين تعلقهم صمدا
فلا تهزئي منَّا ولا تتعجَّبي ... فلست أرى ممَّا فضي الله لي بدَّا
وعاش بحر بن الحارث بن امرئ القيس بن زهير بن جناب بن هبل الكلبيّ مائة وخمسين سنة، وأدرك الإسلام، فلم يسلم، وقال:
من عاش خمسين حولا بعدها مائة ... من السِّنين وأضحى بعد ينتظر
وصار في البيت مثل الحلس مطَّرحا ... لا يستشار ولا يعطي ولا يذر
ملَّ المعاش وملَّ الأقربون له ... طول الحياة، وشرُّ العيشة الكدر
قالوا: وعاش مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب بن عليم بن جناب بن هبل، من كلب، مائة سنة وأربعين سنة، وقال:
أصبحت يا أمَّ بكر قد تخوَّنني ... ريب الزَّمان وقد أزرى بي الكبر
لا أستطيع نهوضا بالسِّلاح ولا ... أمضى الهموم كما قد كنت أبتكر
أمشي على محجن والرَّاس مشتعل ... هيهات هيهات، طال العيش والعمر
قد كنت في عصر لا شيء يعد له ... فبان منِّي، وهذا بعده عصر
قالوا: وعاش امرؤ القيس بن حمام بن عبيدة بن هبل بن عبد الله بن كنانة ابن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة، فقال في ذلك:
إنَّ الكبير إذا طالت زمانته ... فإنَّما حمله جنّازة عار
ومن يعيش زمنا في أهلة خرفا ... كلاَّ عليهم إذا حلُّوا وإن ساروا
يذمم مرارة عيش كان أوَّله ... حلوا، وللدَّهر إحلاء وإمرار
قالوا: وعاش عوف بن سبيع بن عميرة بن الهوان بن أعجب بن قدامة بن جرم بن ربّان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة مائة سنة وثمانين سنة.
وقال في ذلك:
إلا هل لمن أجرى ثمانين حجَّة ... إلى مائة عيش وقد بلغ المدى
وما زالت الأيَّام ترمي صفاته ... ونغتاله حتَّى تضعضع وانحنى
وصار كفرخ النَّسر يهتزُّ جيده ... يرى دون شخص المرءِ شخصا إذا رأى
وبدِّل من طرف جواد حشيَّة ... ومن قوسه والرُّمح والصَّارم العصا
وإنِّي رأيت المرء يظعن جاره ... لنيَّته لا بدَّ يوما وإن ثوى
قالوا: وعاش عامر، وهو طابخة بن تغلب بن خلوان بن عمران بن الحاف ابن قضاعة خمسمائة سنة وعشرين سنة، ولا أعلمه. قال شعرا، وهو معروف بطول العمر.
قالوا: وعاش أبو الطَّمحان القينيّ حنظلة بن الشَّرقيّ، من بني كنانة بن القين ابن جسر بن شيع الله بن الأسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف ابن قضاعة مائتي سنة.
وقال في ذلك:
حنتني حانيات الدَّهر حتَّى ... كأنِّي خاتل يدنوا لصيد
قريب الخطو يحسب من رءاني ... ولست مقيَّدا أنَّى بقيد
حدثنا أبو حاتم، قال حدثني عدة من أصحابنا، أنهم سمعوا يونس بن حبيب النحويّ ينشد هذين البيتين كثيرا فيما زعم أصحابنا، وكان ينشد أيضا:
تقارب خطو رجلك يا سويد ... وقيَّدك الزَّمان بشرِّ قيد
قالوا: وعاش حارثة بن صخر بن مالك بن عبد مناة بن هبل بن عبد الله بن كنانة ابن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة مائة سنة وثمانين سنة حتى أدرك الإسلام فلم يسلم، وأسلم ابنه جناب بن حارثة بن صخر، وهاجر إلى المدينة، فجزع من ذلك جزعا شديدا.
وأنشأ يقول:
تركت أباك بالأدوات كَّلا ... وأمَّك كالعجول من الظِّراب
فلا وأبيك ما باليت وجدي ... ولا شوقي الشَّديد ولا اكتئابي
ولا دمعا تجود به المآقي ... ولا أسفي عليك ولا انتحابي
فعمرك لا تلوميني ولومي ... جنابا حين أزمع بالذَّهاب
1 / 23