فلمَّا اشتفوا منها وأَدبر وحشُهُم ... صببت لهم صهباء في الكأس تزبد
وقلتُ لهم إِنَّي حميل بمثل ما ... رأَيتهم طوال الدَّهر لا أَتزيَّدُ
ففادت أي بردت وماتت، ويروى فكاست، يعني قامت على ثلاث قوائم الأوق الشدة، يقال، إنه لذو أوق.
قال أبو روق، وقال الرياسي: رأى رجل في المنام رجلا مسرفا على نفسه، فسأله عن حاله، فقال، ما لقيت بعدكم أَوقة.
وحشهم جوعهم؛ ويقال بات فلانا وحشا.
الحميل، والكفيل، والضَّمين، والصَّبير، والزعيم سواء.
قالوا: وعاش عامر بن الظرب العدواني مائتي سنة، وكان حكما للعرب.
وفيه يقول ذو الإصبع العدواني:
ومنَّا حكم يقضى ... فلا ينقض ما يقضى
وهي أبيات.
وإنما قيل له ذو الإصبع، لأنه كانت له في رجله إصبع زائدة، وكان من أمره، أن وَجًّا، وهو وادي الطائف، وهو حرم الطائف الذي حرمه رسول الله ﷺ فلا يصطاد صيدها، ولا يختلي خلاؤها، وكان ثقيف، وهو قسّ بن منبِّه باليمن، أبو رغال فصدّقه، فأخذ شاته اللَّبون، وترك الأخرى، فأبى ثقيف أن يتركها، وقال، فيها قوتي، فأبى أن يتركها، فرماه ثقيف، فقتله، ثم لحق بالطائف فوجد فيها ظربا شيخا كبيرا، فأخذه، فقال، لتؤمنَّني أو لأقتُلنَّك، ثم لتنزلني أّفضل أرضك منزلا، فآمنه، وأنزله.
فلما جاء عامر ابنه قال له: ي أَبتاه، من هذا؟ قال: هذا رجل تبوَّا وادينا بغير حمد أَحد.
فقال عامر بن ظرب:
أَرى شعرات على حاجبيّ ... نبتن جميعا تؤاما
أظلّ أُهاهى بهنَّ الكلاب ... أَحسبهنّ صوارا قياما
أهاهي أزجرها، أقول هأْهَاْ.
وأَحسب أَنفي إِذا ما مشيت ... شخصا أَمامي رآني فقاما
قال أبو حاتم، وذكر أصحابنا عن الشعبي أن ابن عباس قال، قضى عامر بن الظرب العدواني، من جديلة قيس، على العرب بعد عمرو بن حممة الدَّوسي، فأتى عامر بخنثى له، ما للرجل وما للمرأة، فأشكلت عليه، فأقام أربعين يوما لا يقضى فيه بشيء، فأتته أمة سوداء تسمى " خصيلة "، فقالت: يا أيها الشيخ، أفنيت علينا ماشيتنا؛ وإنما أَفناهنَّ أنه كان يذبح لأصحاب المسألة كل يوم شاة.
فقال: ويلك، إني أتيت في أمر لا أدري أصعِّد فيه أم أصوِّب.
فقالت: وما ذاك؟ قال: أتيت بمولود له، ما للرجل وما للمرأة.
قالت: وما يشقّ عليك من ذلك؟ أتبعه المبال، أقعده، فإن كان يبول من حيث يبول الرجل فهو رجل، وإن كان يبول من حيث تبول النساء فهي امرأة.
قال - وكان كثيرا ما يعاتب الأمة في رعيتها إذا سرحت - فقال، أسيئي يا خصيل أو أحسني فلا عتاب عليك، قد فرَّجتها عني.
فلما أصبح قضي بالذي أشارت.
فلما جاء الإسلام شدّد القضية، فصارت سنّة في الإسلام، يعني الإسلام شدّدها.
قالوا: وعاش عامر مائتي سنة، وقالوا، ثلاثمائة سنة.
قال أبو حاتم، ذكروا ذلك عن مجالد عن الشَّعبيّ؛ قال أبو روق، وحدثناه الرياشيّ، قال، حدثنا عمر بن بكير عن الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشهبي قال، كنا عند ابن عباس، وهو في ضفَّة زمزم يفتي الناس إذ قال أعرابي، أفتيت الناس فأفتنا.
قال: هات.
قال: أرأيت قول الشاعر المتلمّس:
لذي الحلم قبل اليومِ ما تقرعُ العصا ... وما علِّم اْلإنسان إلاَّ ليعلما
قال ابن عباس: ذاك عمرو بن حممة الدَّوسيّ، قضى على العرب ثلاثمائة سنة، فكبر، فألزموه السابع من ولده، فكان معه، فكان الشيخ إذا غفل كانت الأمارة بينه وبينه أن تقرع العصا حتى يعاوده عقله، فذلك قول المتلمس اليشكريّ من بكر ابن وائل: لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا قال ذو الإصبع العدوانيّ بعد ذلك بدهر:
عذير الحيّ من عدوا ... ن كانوا حيَّة الأرضِ
بغى بعضهم بعضا ... فلم برعوا على بعض
ومنهم كانت السَّادا ... ت والموفون بالقرض
وهم بلغوا على الشَّحنا ... ءِ والشَّنآن والبغض
مبالغ لم ينلها النَّا ... س في بسط ولا قبض
وهم إن ولدوا أشبوا ... بسرِّ النَّسب المحض
ومنهم حكم يقضي ... فلا ينقض ما يقضي
يعني عامر بن الظَّرب.
أشبى الرجل إذا شبّ ولده.
1 / 18