وَقَوْله (حَتَّى تَمَنَّيْت أَنِّي أَسْلَمْت يَوْمئِذٍ) مَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ إِسْلَامِي بَلْ اِبْتَدَأْت الْآنَ الْإِسْلَام لِيَمْحُوَ عَنِّي مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ هَذَا الْكَلَام مِنْ عِظَمِ مَا وَقَعَ فِيهِ (١).
وعن عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَدِيٍّ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِيَّ حَلِيفَ بَنِي زُهْرَةَ حَدَّثَهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ ﵌ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَقِيتُ كَافِرًا فَاقْتَتَلْنَا فَضَرَبَ يَدِي بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، وَقَالَ: أَسْلَمْتُ للهِ آقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟».
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﵌: «لَا تَقْتُلْهُ».
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّهُ طَرَحَ إِحْدَى يَدَيَّ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا آقْتُلُهُ؟
قَالَ: «لَا تَقْتُلْهُ؛ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ» (رواه البخاري ومسلم).
فقد ثبت أن هؤلاء قتلوا قومًا مسلمين لا يحل قتلهم، ومع هذا لم يقتلهم النبي ﵌، ولا ضمن المقتول بِقَوَدٍ ولا ديّة ولا كفّارة، لأن القاتل كان متأولًا. وهذا قول أكثر العلماء، كالشافعي وأحمد وغيرهما.
فالبغاة المتأولون كذلك لم تضمنهم الصحابة ﵃.
إذا تبين هذا فيقال: قول الرافضة من أفسد الأقوال وأشدها تناقضًا؛ فإنهم يعظِّمون الأمر على مَن قاتل عليًّا، ويمدحون مَن قتل عثمان ﵄، مع أن الذم والإثم لمن قتل عثمان أعظم من الذم والإثم لمن قاتل عليًّا ﵄.
(١) باختصار من شرح صحيح مسلم للنووي.