فإن كان الثاني بطل قول الشيعة: «إن عليًّا تخلّف عن بيعة أبي بكر ﵄»، وثبت أنه كان من أول السابقين إلى بيعته.
وإن كان الأول، فعذر من تخلف عن بيعة عليّ ﵁ أظهر من عذر من تخلف عن بيعة أبي بكر ﵁، لأن النص والإجماع المثبتين لخلافة أبي بكر، ليس في خلافة عليّ مثلها.
والنصوص الثابتة عن النبي ﵌ تقتضي أن ترك القتال كان خيرًا للطائفتين، وأن القعود عن القتال كان خيرًا من القيام فيه، وأن عليًّا ﵁، مع كونه أوْلى بالحق من معاوية ﵁ وأقرب إلى الحق من معاوية، لو ترك القتال لكان أفضل وأصلح وخيرًا.
وأهل السنة يترحّمون على الجميع، ويستغفرون لهم، كما أمرهم الله تعالى بقوله: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٠)﴾ (الحشر:١٠).
والذين قاتلوا عليًا ﵁ لا يخلو: إما أن يكونوا عصاة، أو مجتهدين مخطئين، أو مصيبين. وعلى كل تقدير فهذا لا يقدح في إيمانهم ولا يمنعهم الجنة.
فإن الله تعالى قال: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)﴾ (الحجرات:٩، ١٠)، فسمّاهم إخوة ووصفهم بأنهم مؤمنون مع وجود الاقتتال بينهم، والبغي من بعضهم على بعض.
فمن قاتل عليًّا ﵁:فإن كان باغيًا فليس ذلك بمخرجه من الإيمان ولا بموجب له النيران، ولا مانع له من الجنان؛ فإن البغي إذا كان بتأويل كان صاحبه مجتهدًا.