88

مجمل أصول أهل السنة

مجمل أصول أهل السنة

Genre-genre

وجه إجماع العلماء على العقيدة وبيانها للناس السؤال لماذا لا يجمع العلماء على العقيدة مع عظم شأنها وخطورتها ووضوح الأدلة فيها، خاصة أن العلماء قد يسمح لهم، وأيضًا قد وفق الله جل وعلا بلاد الحرمين لتهيئة مجمع الفقه وبناء صرحه، فلماذا يسكتون على من لهم انحرافات عقدية كالخوارج وغيرهم، وبخاصة أن القرآن نص على طاعة ولاة الأمر وهم العلماء والأمراء، ولقوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ﴾ [النساء:٨٣] إلى آخر الآية، وكذلك آية التنازع وفيها الرد إلى الله ورسوله وإلى أولي العلم؟ الجواب هذا سؤال يتضمن عدة نقاط: النقطة الأولى: لماذا لا يجمع العلماء على العقيدة؟ وهذه تحتاج إلى تعديل، فالمعروف سلفًا ومن ثوابت الأمور ومسلماتها أن علماء السنة كلهم منذ عهد الصحابة إلى يومنا هذا متفقون على أصول الدين وثوابته ومسلماته، وهي ليست مجرد دعوة، بل هي حقيقة وهي الواقع وهي مقتضى حفظ الدين وبقاء طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم، وهي مقتضى قول النبي ﷺ: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، ومن مقتضيات تطبيق هذه النصوص والقطعيات أن أصول السنة: العقيدة وثوابتها ومسلماتها وأصول الاعتقاد ومناهج الدين العامة متفق عليها عند أئمة السلف، ومن خالف من أفراد العلماء في أصل من هذه الأصول فمخالفته ليست محسوبة على الجميع، بل هي زلة عالم، مع أنه يندر هذا من باب الاحتياط، وإلا فحسب استقرائي لا أجد عالمًا من علماء السنة المعتبرين الراسخين في العلم خالف في أصل من أصول الاعتقاد، أو في مسلمة من مسلمات الدين، ولا في ثابتة من ثوابته، ولا في منهج من مناهجه بحمد الله، وهذا أمر من ضرورات الدين. إذًا: الثوابت محفوظة ولا خلاف فيها، أما ما يندرج أحيانًا تحت العقيدة وليس هو من العقيدة فيكون عليه الخلاف، أو قد يظن الناس أنه عقيدة وليس بعقيدة، هذا الخلاف قد يرد؛ لأنه ليس من قطعيات الدين، لكنه يلحق من الناحية الموضوعية والعلمية فقط، فمثلًا: علماء السلف اتفقوا على رؤية المؤمنين لربهم في الجنة يوم القيامة، ولكن اختلفوا في مسألة رؤية النبي ﷺ لربه في المعراج هل هي عينية أو بصرية؟ والاختلاف في هذه الجزئية من الرؤية لا يعني الاختلاف في الأصل القطعي، وكذلك في الشفاعة وفي أركان الإيمان وأركان الإسلام وفي أمور كثيرة أن الأصول القطعية متفق عليها، وما يتفرع عنها أحيانًا يلحق بالعقيدة من الناحية العلمية، ولكن لا يلحق من الناحية التأصيلية، بل يكون عليه خلاف؛ لأنه من الاجتهاديات التي اختلفت فيها النصوص. أما لماذا لا يتفق العلماء على بعض النوزال؟ فهذا من رحمة الله بالأمة؛ إذ كيف نتصور لو أن المجامع الفقهية أو مجالس العلماء أو هيئة كبار العلماء عندنا في هذا البلد وفي غيره من المجامع لو أنهم اتفقوا كلهم على أمر واحد لوقعت الأمة في حرج شديد في الاجتهاديات، فمن الخير أن يختلف العلماء في الاجتهاديات؛ لأن هذا فيه توسعة على الأمة، أما كيف يتعامل العامة مع اختلافات العلماء، فهذا يكون وفق الضوابط الشرعية، ونتبع من نرى في تقديرنا أنه الأعلم والأحوط في علمه والأقرب إلى الدليل بدون تشه ولا هوى، وقد نختلف، فقد يرى البعض أن هذه المواصفات تنطبق على العالم فلان، وهذا حدث في عهد النبي ﷺ مما يدل على أنه تشريع، لما أمر النبي ﷺ الصحابة ألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة وهم قبل العصر، فمنهم من أسرع باذلًا جهده في أن يصل قبل غروب الشمس من أجل أن يصلي، ومنهم من فقه فقهًا آخر، وقال: قصد النبي ﷺ الحسم ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فلما حضر وقت الصلاة صلى وهو في الطريق؛ لأنه تأول تأويلًا صحيحًا، والنبي ﷺ أقرهم جميعًا، وكان هذا فيه توسعة، فلو أنهم أخذوا برأي واحد لوقعوا في حرج شديد، فهكذا بقية ما يقع من العلماء من اختلافات، ولو أننا أحيانًا في قضايا نرى أنها حساسة وخطيرة ما دامت اجتهادية، فهذا فيه خير كثير وتوسعة للأمة، والمصالح العظمى والقضايا الكبرى للأمة سيسدد الله فيها العلماء، حتى شاء الله أن يقفوا موقفًا يرشد الأمة إليه.

3 / 18