76

مجمل أصول أهل السنة

مجمل أصول أهل السنة

Genre-genre

قاعدة كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة يقول المؤلف حفظه الله تعالى: [القاعدة الثانية عشرة: كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار]. هذه من القواعد الكبرى العظيمة التي يحتاجها المسلمون دائمًا في كل زمان، وفي هذا الوقت بشكل أكبر؛ لأن الجهل بهذه القاعدة وعدم تحكيمها -وهي قاعدة متقنة محكمة- أدى بكثير من المسلمين إلى الوقوع في أنواع البدع: البدع الاعتقادية، البدع في العبادات، البدع في المناهج، البدع في التعامل، البدع في السلوكيات إلى آخره. مع أن الأصل في البدع أنها في العقائد والعبادات، أما أمور السلوكيات والأخلاق والتعامل فإنها تحكمها المصالح العامة، والتي يكون الأصل فيها الحل والإباحة، وكذلك تناول ما يسره الله ﷿ للعباد من خيرات الأرض وما فيها من كنوز، كل ذلك الأصل فيه الإباحة، وقلّ أن يدخل فيه الابتداع، إنما الابتداع يكون في العقائد والعبادات والأعياد والاحتفالات، وهذا هو أغلب الابتداع الذي وقعت فيه الأمة، ولا تزال واقعة فيه، ثم مع أن المتأمل لأحاديث النبي ﷺ التي جاءت لحماية الأمة من البدع يجدها من أقوى الأحكام والقواعد في وضوحها، وفي سد منافذ الفهم الخاطئ فيها، فقد جاء التحذير عن النبي ﷺ من البدعة على وجوه متعددة وبألفاظ محكمة وموجزة ومتقنة، ولا يمكن أن تتأول ولا تخترق. وهذا فيه إشارة إلى أن الأمة سيكون منها من يقع في البدع، فجاء التحذير من البدع مجملًا ومفصلًا، محكمًا وبينًا لا لبس فيه، يتصف عند المتخصصين بالحدية الذي لا يمكن تجاوزه، فمثلًا: النبي ﷺ نص على أن كل بدعة ضلالة، ثم أضاف عبارة في لفظ آخر، وألفاظ النبي ﷺ إذا تعددت فهي تدل على تعدد المعاني وإحكام الأمور، فالنبي ﷺ ورد عنه في هذه القاعدة عدة ألفاظ وكلها صحيحة، منها: قوله ﷺ: (كل محدثة في الدين بدعة)، والأحكام محدودة بينة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، جامعة مانعة، ومن خصائص النبي ﷺ أنه أوتي جوامع الكلم التي تشمل ملايين المعاني والمفردات بثلاث عبارات: (كل محدثة في الدين بدعة). فكلمة (كل) تعني المحدثات عمومًا. وتعريف النبي ﷺ للبدعة هنا تعريفًا جامعًا كاملًا شاملًا لا مزيد عليه، ولذلك أرى أن نقتصر على هذا التعريف إذا قيل: ما البدعة؟ نقول: كل محدثة في الدين بدعة، ونستريح من الخلافات في تعريف البدعة. والنبي ﷺ أيضًا بين أن البدع كلها مذمومة، فقال: (وكل بدعة ضلالة)، حتى لا يأتي المتحذلق ويقول: هناك بدعة حسنة أو بدعة فيها هداية أو فيها خير، أنت كيف تقول: بدعة حسنة؟ والنبي ﷺ يقول: (وكل بدعة ضلالة)، مطلقًا يشمل ملايين المفردات. أيضًا: نجد أن هذه المسألة أحكمت بنصوص أخرى متواترة مثل قول النبي ﷺ: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، فقوله: (من أحدث في أمرنا) أمرنا هو أمر الدين، وقوله: (ما ليس منه)، أي: ما ليس من الدين ولم يأت به النبي ﷺ (فهو رد) أي: مردود على صاحبه، والرد كلمة حازمة، ولا يمكن أن يكون ذلك اعتقادًا ولا قولًا ولا عملًا. وأيضًا لما قد يرد على أذهان بعض الناس احتمال تأويل الكلمة، جاءت بلفظ آخر، قال: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)، فهذا يعني جميع العمل: عمل القلب وعمل الجوارح، ومن أصول السنة القطعية أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، فعلى هذا فقول النبي ﷺ: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا)، يشمل الأعمال القلبية الاعتقادية وأحوال القلب، وكما يشمل القول، ويشمل الأفعال التي هي العبادات ونحوها مما هو من البدعة. وإذا رددنا هذه القاعدة إلى قواعد أخرى صارت القواعد الأخرى أكثر إحكامًا. ثم حينما قلنا: إن الله قد أكمل الدين ولا يحتاج إلى زيادة ولا نقص، وأيضًا كمال الدين يتنافى تنافيًا قطعيًا عقلًا وشرعًا وعرفًا -وعلى مقتضى الفطرة والواقع- مع البدعة في الدين أو الإحداث في الدين أو النقص أو الزيادة. إذًا: ما دام أن الله ﷿ قد أكمل الدين فقد تكفل بحفظ الدين وجعله ظاهرًا؛ لأنه قد يقول جاهل أو متحذلق أو منافق: إذا كان الله قد أكمل الدين فلماذا الناس أضاعوا الدين؟ نقول: إذا كان بعض المسلمين أضاع بعض العمل بالدين فلا يعني أن الدين بذاته ضاعت معالمه؛ لأن مصادره محفوظة، والله ﷿ كما أكمل الدين فقد تكفل بحفظه وجعل نبيه ﷺ خاتم الأنبياء، لئلا يحتاج الناس إلى نبوة، ولو احتاجوا إلى شيء جديد بالدين يبتدعونه فإنهم يحتاجون إلى نبوة؛ لأنه لو فتح باب الإحداث في الدين، فإن كل إنسان سيذكر من الدين ما يميل إليه قلبه وعاطفته ورغباته، حتى وإن سماه دينًا فإن الشيطان يدخل على الناس، وكل يدعي أن ما يعتقده ويقوله مما لم يرد في الكتاب والسنة ويفعله ويهواه أنه دين، لاسيما أن الشيطان قد

3 / 6