162

Mixing between Men and Women

الاختلاط بين الرجال والنساء

Penerbit

دار اليسر

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م

Genre-genre

مُنْفَرِدَة فِي قَبْر مُوحِش يطويني وَيَطْوِي عَارِي مَعِي».
ثُمَّ أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ وَعَاد إِلَى ذُهُوله وَاسْتِغْرَاقه.
وَهُنَا دَخَلَتْ الحُجْرَة مُرْضِع وَلَده تَحْمِلهُ عَلَى يَدهَا حَتَّى وَضَعَتْهُ بِجَانِب فِرَاشه ثُمَّ تَرَكَتْه وَانْصَرَفَتْ، فَمَا زَالَ الطِّفْل يَدبّ عَلَى أَطْرَافه حَتَّى عَلَا صَدْر أَبِيهِ، فَأَحَسَّ بِهِ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ فَرَآهُ فَابْتَسَمَ لِمَرْآهُ وَضَمّه إِلَى صَدْره ضَمَّة الرِّفْق وَالْحَنَان وَأَدْنَى فَمه مِنْ وَجْهه لِيُقَبِّلهُ ثُمَّ اِنْتَفَضَ فَجْأَة وَدَفَعَه عَنْهُ بِيَدِهِ دَفْعَة شَدِيدَة، وَأَخْذ يَصِيح: «أَبْعَدُوهُ عَنِّي؛ لَا أَعْرِفهُ، لَيْسَ لِي أَوْلَاد وَلَا نِسَاء؛ سَلُوا أُمّه عَنْ أَبِيهِ مَنْ هُوَ وَاذْهَبُوا بِهِ إِلَيْه، لَا أَلْبَس العَار فِي حَيَاتِي وَأَتْرُكهُ أَثَرًا خَالِدًا وَرَائِي بَعْد مَمَاتِي».
وَكَانَتْ المُرْضِع قَدْ سَمِعَتْ صِيَاح الطِّفْل فَعَادَتْ إِلَيْهِ وَحَمَلَتْهُ وَذَهَبَتْ بِهِ، فَسَمْع صَوْته وَهُوَ يَبْتَعِد عَنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَأَنْصَتَ إِلَيْهِ واستعبر بَاكِيًا وَصَاحَ: «أرْجِعُوهُ إِلَيَّ»، فَعَادَتْ بِهِ المُرْضِع فَتَنَاوَلَهُ مِنْ يَدهَا وَأَنْشَأَ يُقَلِّبُ نَظَره فِي وَجْهه وَيَقُول:
«فِي سَبِيل اللهِ يَا بُنَيَّ مَا خَلَّفَ لَك أَبُوك مِنْ اليُتْم وَمَا خَلَّفَتْ لَك أُمّك مِنْ العَار فَاغْفِرْ لَهُمَا ذَنْبهمَا إِلَيْك فَلَقَدْ كَانَتْ أُمّك اِمْرَأَة ضَعِيفَة فَعَجَزَتْ عَنْ اِحْتِمَال صَدْمَة القَضَاء فَسَقَطَتْ، وَأَبُوك - فِي جَرِيمَته التِي اجترمها - أَسَاءَ مِنْ حَيْثُ أَرَادَ الإِحْسَان.
سَوَاء كُنْتَ وَلَدِي يَا بُنَيَّ أَمْ وَلَد الجَرِيمَة فَإِنِّي قَدْ سَعِدْتُ بِك حِقْبَة مِنْ الدَّهْر فَلَا أَنْسَى يَدك عِنْدِي حَيًّا أَوْ مَيِّتًا»، ثُمَّ اِحْتَضَنَهُ إِلَيْهِ وَقَبِلَهُ فِي جَبِينه قُبْلَة لَا أَعْلَم هَلْ هِيَ قُبْلَة الأَب الرَّحِيم أَوْ المُحْسِن الكَرِيم.
وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِنْهُ الجهْد فَعَاوَدَتْهُ الحُمَّى وَغَلَتْ نَارهَا فِي رَأْسه وَمَازَالَ يَثْقُل شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى خِفْتُ عَلَيْهِ التَّلَف فَأَرْسَلْتُ وَرَاء الطَّبِيب فَجَاءَ وَأَلْقَى عَلَيْهِ نَظْرَة طَوِيلَة ثُمَّ

1 / 165