Mesir: Tenunan Orang, Tempat, dan Masa
مصر: نسيج الناس والمكان والزمان
Genre-genre
Catalyst
عميق الأثر في إعادة ترتيب المجتمع كظهور الأديان السماوية، أو الثورات والقلاقل الشعبية كما حدث في مصر الفرعونية مرتين على الأقل، أو ثورة العبيد في روما، وثورة الزنج في جنوب العراق والخليج في العصر العباسي، والثورات الكبرى الحديثة وبخاصة الفرنسية والروسية والصينية، وبعض المجتمعات فضل أن يكون الرأي لكبار القوم من المحاربين، ومن ثم ينشأ مجتمع قابل للتغير بنسبة أكثر، وإن كان هو الآخر داخل أطر قيمية لكنها قادرة على تقبل التغير في الزمان والمكان، كالمغول حين امتصتهم الحضارة الصينية والترك حين اندمجوا في الإسلام، والجرمان حين دخلوا المسيحية.
وهكذا أعيد تقسيم العمل في المجتمع فاحترف الرجال العمل الإنتاجي في الحقول وتربية الحيوان بمساعدة محدودة من النساء التي انكمش عملهن إلى داخل البيت ورعاية الأطفال وتعليمهم تراث الماضي، وكيف يتعايشون في نسيج المجتمع حتى سن البلوغ فيخرج الصبية إلى نادي الرجال ليتعلموا صنعة الرجال والآباء في الزراعة، أو الحرف، أو التجارة، أو الإدارة، أو الكهانة، أو الحرب، بينما تتعلم الفتيات اقتصاديات الحياة المنزلية وأصول الأمومة وتنشئة الصغار. (4) الحضارات النهرية الكبرى
إن كانت الزراعة قد اكتشفت في الوديان الجبلية الصغيرة فيما بين جبال القوقاز وزاجروس وطوروس؛ أي تلك المحيطة بشمال الهلال الخصيب، إلا أن أكبر اتساع سلطوي ونمو مجتمعي تغير إلى تنظيم الممالك السياسي قد حدث في السهول النهرية الخصبة: النيل والفرات والسند وأعالي هوانجهو - النهر الأصفر - مما اقتضى تسميتها الحضارات الهيدرولوجية أو باختصار حضارات الأنهار، هنا حضارات قديمة بعضها لم يستمر أكثر من ألفي عام كالحضارة السومرية في جنوب العراق ووسطه، وحضارات السند الأوسط والأدنى في باكستان، وبعضها استمر إلى بضعة آلاف السنين كالحضارة المصرية والصينية والهندية، وكلها أورثت شعوبها على امتداد الزمن الكثير من جوانب حضارتها، وتراثها المادي والروحي حتى الآن برغم التغيرات الأصولية التي انتابتها سواء في تركيب السكان أو العقائد أو الإيديولوجيات، وفي هذه الحضارات تمت الأصول الجذرية للمعرفة الموثقة بالكتابة، ومن ثم بدأ الإنسان يبني على ما تقدم بدلا من إعادة البناء كل مرة باجتهادات فردية في المجتمعات السابقة على الكتابة. (5) حضارات تموت واقفة
مع الوفرة والتنظيم السياسي زادت أعداد السكان مما استدعى توسع في الزراعة وابتكار آلات رفع المياه وحفر القنوات لري الأرض البعيدة عن النهر، ففي حضارات ما بين النهرين - العراق الآن - أدت كثرة الري وقلة الانحدار الأرضي الذي يسهل التصريف المائي بعد الري في جنوب العراق - حيث نشأت حضارة وممالك المدن السومرية بإجمال - أدت إلى مشكلة خطيرة، هي أن الأرض أصبحت غدقة لارتفاع الماء الباطني بشدة وتمليح التربة نتيجة ارتفاع الحرارة في موسم الصيف، مما كان الشغل الشاغل للسومريين فيما عرف باسم بذل أو صرف المياه وغسل التربة وهو ما صار إلى تدهور إنتاجي وتحرك مراكز القوة السياسية شمالا من ممالك مدن سومر إلى بابل والحضارة البابلية - قرب بغداد، ثم شمالا مرة أخرى إلى نينوي - قرب الموصل - حيث حضارة الأشوريين، وقد استمرت مجهودات استعادة الإنتاج في الجنوب خلال العصر العباسي فيما عرف باسم أرض السواد بالاعتماد على عمالة الرقيق السود الذين تمكنوا من التمرد لفترات طويلة عرفت باسم ثورة الزنج، وما زالت مشكلة الصرف في الجنوب هي إحدى التحديات الكبرى في العراق إلى الآن، ويتضح أن تجاوزات الإنسان للظروف البيئية كان واحدا من أسباب انهيار حضارات ما بين النهرين، والأسباب الأخرى سياسية حربية تمثلت في هجرات الهندو-أوروبيين إلى الهند والشرق الأوسط، فيما بين إيران وكردستان وأرمينيا وتوسع ميديا وبارثيا وفارس إلى سهول الرافدين وما بعدها إلى معظم غرب آسيا ومصر، ثم انتشار الدولة الإسلامية إلى العراق وفارس فيما بعد.
وتتمثل الحضارة النهرية في حوض السند الأوسط والأدنى في آثار مدينتي «هارابا» و«موهانجدارو»، حيث قامت حضارة مدنية كبيرة ذات تنظيم سياسي زراعي تجاري استمرت قرابة ألفي عام ثم اندثرت مرة واحدة، أسباب ذلك غير معروفة؛ لأن الكتابة السندية لم تحل شفرتها إلى الآن، ومن ثم لا نعرف عنها سوى الآثار الكبيرة التي تم اكتشافها، ويرجح بعض الباحثين أن حوض السند تعرض حوالي الألف الثانية قبل الميلاد إلى موجات هجرة بأعداد كبيرة من الهندو- أوروبيين القادمين من وسط آسيا، ربما بسبب موجة جفاف طويلة أو ربما نتيجة تحرك شعوب كالآفار والترك من منغوليا إلى وسط آسيا، وقد كونت موجات الهجرة الهندو-أوروبية فيما بعد الإضافة الأساسية للسكان الأصليين من الدرافيديين بحيث تشكلت المجموعات السلالية واللغوية الحالية لسكان الهند وباكستان، وهنا أيضا نرى أسبابا بشرية ناجمة عن تحرك الشعوب في هجرات واسعة أدت إلى اندثار التنظيم السياسي لحضارة السند، وإن بقيت بعض عناصرها الثقافية في النسيج الحضاري الجديد.
أما حضارة الصين فتشتمل على عدة عناصر من مكونات البيئة والنشاط الزراعي والتجاري والثقافي تداخلت بقوة في نسيج الجماعات المغولية التركية التي اكتسحت الصين، فتحول المنتصرون فيما بعد إلى أن أصبحوا صينيون حضاريا وثقافيا. والأغلب أن المنتصرون كانوا أقل ثقافة برغم قدرتهم التنظيمية العسكرية فامتصتهم الثقافة الصينية وهضمتهم في تركيبها السكاني الساحق ومساحتها الشاسعة.
وأخيرا فإن حضارة مصر-النيل تمثل أصغر المساحات في الحضارات النهرية، ولكنها أدوم تلك الحضارات عمرا وتركيبا. وادي النيل المصري طويل ضيق واضح المعالم، والنهر هادي الجريان معظم السنة مما جعله طريق آمن للنقل والانتقال فيما عدا موسم الفيضان حين تهدر مياهه فتغرق الكثير من سهل الوادي - وهي ظاهرة هيدرولوجية استغلها المصريون أحسن استغلال بابتداع نظام ري الحياض الذي ضمن تصريفا للمياه بعد الفيضان وضمن إثراء للتربة بما يترسب فوق أرض الحياض من الغرين، ومن ثم تكونت أصول الغنى والوفرة التي ميزت مصر عن غيرها من الحضارات النهرية، أما الدلتا فهي أعرض من الوادي وفروع النيل فيها كثيرة مما يسمح بالري والانتقال في مختلف نواحيها، ولكن مناطقها الشمالية أرض مستنقعات دائمة كونت حماية طبيعية ضد الغزو البحري، بقايا المستنقعات ما زالت قائمة في البحيرات الشمالية المتصلة بالبحر - المنزلة والبرلس وإدكو، وأيضا فيما عرف باسم أرض البراري وبحيرة مريوط - شمال محافظات الدقهلية وكفر الشيخ والبحيرة.
اعترت مصر القديمة في أحيان معروفة تاريخيا تفكك سياسي، ولكن الوحدة الحضارية المصرية ظلت قائمة، وعلى أزمان طويلة كان هناك تفاعل مستمر بين الحضارة المصرية والحضارات حولها في غرب آسيا وحوض البحر المتوسط الشرقي وجزره العديدة، فيما بين قبرص والأناضول وفيما بين كريت وبحر إيجة وبلاد اليونان الحالية. وفي عصور النهاية أصبحت مصر فارسية ثم إغريقية بطلمية ثم رومانية ثم ضمن الدولة الإسلامية، ثم استقلت من عهد الطولونيين والإخشيد ثم أصبحت القاعدة الأساسية للدولة الفاطمية والأيوبية والممالك البحرية - الأتراك - والمماليك البرجية - الجراكسة - ثم الدولة العثمانية وفترة بونابرت والحملة الفرنسية، وأخيرا استقلت فعلا منذ محمد على وأسرته، وجاء الاحتلال الإنجليزي، ثم عصر الجمهورية الحالي.
أين راح كل هؤلاء؟ فرس وإغريق ورومان وعرب وكرد وأتراك وشراكسة وأتراك عثمانيين وفرنسيين وإنجليز! لقد هضمتهم الحضارة المصرية لدرجة أن الجاليات اليونانية والإيطالية والفرنسية التي كانت تعيش وتموت في مصر كانوا مصريين بصورة ما، وحين اضطر بعضهم للهجرة إلى بلاد أجدادهم في الستينيات من القرن الماضي كانوا يتحسرون على حياتهم في مصر، ويتوقعون أن تعاملهم شعوب أجدادهم على أنهم أغراب يتكلمون لغتهم بكثير من الرطانة المصرية ويعيشون بكثير من أسلوب الحياة المصرية وقيمها - وحسب قول بعضهم لي على ظهر باخرة إلى إيطاليا (1959): نحن سوف نوصف بأننا إيطاليون «جربانين»!
Halaman tidak diketahui