Mesir: Tenunan Orang, Tempat, dan Masa
مصر: نسيج الناس والمكان والزمان
Genre-genre
لكن خريجي المركز نادرا ما يشتغلون بالموضوع السكاني. فهم إما فئة تضيف شهادات عليا إلى شهاداتها الجامعية وتسعى في دروب الوظيفة التي تشغلها بالترقي إلى درجة إدارية ومالية أعلى. وإما فئة من المتدربين الأكاديميين - المعيدين - في الجامعات تساعدهم على تواصل البحث لنيل درجات الماجستير والدكتوراه. والكثير من هؤلاء تغمرهم فيما بعد واجبات المهنة التدريسية ونادرا ما يشاركون في العمل السكاني إلا من خلال محاضراتهم النظرية للطلاب أو بحوث تلقى في المؤتمرات. بعض هذه البحوث مبنية على دراسة عملية في أحد أقاليم الدولة أو في واحد من الموضوعات السكانية مثل الاكتظاظ والتزاحم أو الفقر والهجرة المصاحبة من الريف إلى الحضر وغير ذلك من الموضوعات. (2-1) مجهودات الدولة مترددة
وإلى جانب هذا الإطار النظري والإعداد الأكاديمي فإن الدولة كانت منذ فترة طويلة نسبيا تسعى إلى معالجة المشكلة السكانية على أرض الواقع. ولكن سياسة الدولة ترددت بين عدة مفاهيم أقصاها تحديد أو ضبط النسل وأدناها المساعدة على تنظيم النسل. ومن خلال هذه السياسة أو تلك أنشأت الدولة أجهزتها الإرشادية وأطلقت حملاتها الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية، لكن معظم التوجه كان في الريف المصري المعروف بالمحافظة لدرجة الجمود، بينما كان في الإمكان أيضا تكثيف العمل والإعلان بين الفئات الفقيرة في المدن التي تعج بالمهاجرين من الريف دون أن يكون لديهم تأهيل مهني مناسب لحياة المدينة الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية. وفوق هذا كانت هناك قوى مناهضة لأشكال تنظيم النسل من جوانب كثيرة كتنافس شرائح المجتمع في التكاثر واستمرارية الضغط التاريخي نحو فكرة الكثرة، وجماعات إيديولوجية تحارب هذا التنظيم على أنه عمل مناف لطبيعة البشر والمعتقدات الدينية، أو تنظيمات مناهضة للحكومة تعمل على تقويض سياساتها السكانية والتنموية كجزء من هدف الوصول إلى الحكم.
ومع ذلك فإن هناك بشائر انخفاض في نسبة النمو السكاني السنوية وبخاصة في المدن الكبرى، بينما الريف بمدنه الصغرى وقراه ما زال ينمو بمعدلات أعلى من المدينة. فإذا صحت أرقام التعداد العام لسنة 1996 فإن نسبة النمو السكاني العام في مصر قد هبطت من 2,2٪ سنويا إلى 2٪ فقط، ولكن نسبة الهبوط اختلفت من مكان لآخر. ففي القاهرة الكبرى على سبيل المثال هبطت نسبة النمو في محافظة القاهرة إلى 1,2٪ سنويا للفترة 1986-1996 بينما ظلت شبرا الخيمة تنمو بمعدل 2,2٪ والجيزة بمعدل +5,3٪؛ وذلك لاستمرار الهجرة الريفية وضم كثير من القرى إلى مدينة الجيزة.
ولإحساس الدولة بخطورة المشكلة السكانية في مصر فقد أفردت في جهازها التنفيذي وزارة خاصة بالسكان. لكنها للأسف لم تعمر طويلا وتحولت إلى هيئة خاصة لها جهاز إداري وإمكانات محدودة. ثم ألغت الدولة هذا التشكيل وألحقت المشكلة السكانية بوزارة الصحة. هذا التردد بين وزارة ثم هيئة ثم ملحقية يوضح لنا حيرة في مواجهة مشكلة تقض البال في مصر، بل ربما هي مشكلة المشاكل وأولى الأسافي في المجتمع، وعليها تنبني سياسات كثيرة في الصحة والتعليم وميادين العمل والتنمية الاجتماعية الاقتصادية على وجهها الشمولي.
إن إلحاق السكان بوزارة الصحة أساسه أن النظرة إلى المشكلة السكانية هي نظرة قاصرة على مجرد التعداد والنمو السنوي - أي نظرة بيولوجية للإنسان من أجل الحد من تكاثره. ولكن كما قلنا سابقا هي نظرة إلى جانب واحد من الموضوع. فالتكاثر بالإنجاب تتحكم فيه علاقات أخرى إلى جانب العلاقة البيولوجية الزواجية. مرة أخرى يجب أن ننظر للمشكلة من جوانبها الاجتماعية والأطر التي صاغتها من عناصر دينية واقتصادية. على سبيل المثال استمرار قوة النظرة الاجتماعية الاقتصادية التقليدية على أن كثرة العيال عزوة عددية، تشكل دخلا إضافيا للأسر بالعمل كقوة عمل زراعي أجير لدى ملاك الأراضي أو أعمال أخرى لدى أصحاب الأعمال، أو أعمال خدمات شخصية مهمشة - غالبا إناث - لدى الأسر الكبيرة في القرية أو المدينة. والآن تحولت الأهداف في ظل التعليم المجاني إلى أن يكون الأبناء طاقات عمل إداري ومكتبي يتقاضون رواتب شهرية مؤكدة مما أدى - في أحد جوانبه - إلى مشكلة نقص الأيدي الزراعية، برغم زيادة عدد سكان الريف سواء كانوا يعملون في الفلاحة أو أعمال أخرى في المدينة المجاورة! (2-2) إشكالية السكان تحتاج عمل جماعي متناسق لهيئات عديدة
ربما يجوز لنا الاقتراح بأن تتولى إشكالية السكان هيئة أو مفوضية عليا مستقلة لها موارد كافية بحيث لا تضيع في خضم وزارات الخدمات. وأن تشترك هذه المفوضية المقترحة اشتراكا فعليا في العمل مع وزارات عديدة، منها على وجه خاص وزارات الصحة والشئون الاجتماعية والتعليم والأوقاف والهيئات الدينية الإسلامية والمسيحية والإعلام والبيئة وأجهزة تنمية الريف وتنمية المجتمع وأجهزة العشوائيات في كل المحافظات. فلهذه الأجهزة والوزارات سياسات خاصة في معالجة ناحية أو أخرى من المشكلة السكانية. لكنها، للأسف، تتشكل في صورة أقرب إلى أن تكون «جزائر» منعزلة، نادرا ما تتكامل معا في مواجهة كل المشكلة السكانية، بل هي في أحيان تتصادم فيما بينها! هذا ولا يجب أن تكون المفوضية التي نقترحها بمثابة المنسق بين هذه السياسات المنفصلة، بل يجب أن تنبع عنها السياسة السكانية بشمولها وأن توظف بعض ما لدى الوزارات، وبخاصة وزارات التعليم والصحة والأوقاف والإدارة المحلية، من تجهيزات وميزانيات وقوى عاملة داخل إطار السياسة الشاملة للموضوع السكاني بشقيه البيولوجي والاجتماعي الاقتصادي معا.
قرن من تطور سكان مصر 1897-1996، والنسبة المئوية لسكان القاهرة إلى مجموع سكان مصر
وربما يكون من التوصيات إنشاء عدة معاهد على مستويات تعليمية متعددة تنتظم فيها برامج سريعة لأسابيع محدودة لتعليم الناس وتوعيتهم بمخاطر المشكلة السكانية - على أن يكون لها ثقل برامجي تطبيقي مختلف في الريف عنها في أحزمة الفقر حول وداخل المدن من أجل تخريج عاملين أو تكوين متفهمين لمحاذير الموضوع السكاني من داخل كل مجتمع، فهم على الأغلب أكثر تأثيرا في مجتمعهم من موظف أو خبير قادم من القاهرة. كما يجب مراعاة الإكثار من عقد دورات نقاشية يشارك فيها الناس بالرأي من منطلقاتهم، على أن يكون لهذه الآراء مردود إيجابي يوصى به في إقليم أو مجتمع له ظروفه الخاصة. وبهذا تكون تطبيقات تنظيم النسل ذات مرونة وليست مجرد آراء وتعليمات تنبع من القاهرة ومطلوب تنفيذها على مستوى الدولة كلها.
وأخيرا فالمرجو إنشاء مركز مصري لدراسة موضوع السكان بشقيه على أساس قومي، وظيفته الأساسية الاتصال الدءوب بكل الأجهزة الحكومية والشعبية والأهلية لإحداث التنسيق المطلوب على أرض الواقع من أجل إنجاح دعوة تنظيم النسل بالقدر الممكن في مراحل مختلفة. وربما يلحق هذا المركز فيما بعد بمركز بحوث اجتماعية كجزء هام من تشكيلات المجتمع، وربما يكون من مهام المركز تخريج خبراء على مستوى عال إحصائي ديموجرافي؛ ليصبحوا الكوادر الأساسية في وزارة أو مفوضية عليا للسكان تكون هي المبتدأ لمخططات تنمية المجتمع في كافة جوانبه. (3) المسألة السكانية مرة أخرى
هذه هي المرة الثانية في خلال شهر أو نحوه التي أكتب فيها عن المسألة السكانية المصرية كواحدة من ثلاثي المتاعب المصرية المعاصرة . والذي حفزني إلى الكتابة - بشيء من الاستفاضة - عن هذا الموضوع الخطير أنه صار من الاهتمامات الاستراتيجية لرئيس الدولة في خطاباته الأخيرة وأن رد الفعل كان سريعا في مجلس الوزراء ووزارة الصحة والسكان بحيث ظهرت تحقيقات صحفية تتكلم عن «طوارئ لمواجهة المشكلة السكانية»، كأن الموضوع حادث طارئ كسيل عرم أو زلزلة مفاجئة. لكن كل الناس الذين لديهم بعض إلمام بالشئون المصرية يعرفون أن المسألة السكانية عملية مستمرة لنحو قرن من الزمان، ويعرفون قدر العبء الذي يكونه التزايد السكاني على الحياة العامة المصرية من التعليم والصحة إلى العمل والسكن. لكننا درجنا على أن نضخم الأمور. (3-1) مشكلة - إشكالية - أم مسألة؟
Halaman tidak diketahui