Mesir dan Syam dalam Masa Lalu dan Kini
مصر والشام في الغابر والحاضر
Genre-genre
هذه هي الصفحات التي تصور لنا تاريخ هذين القطرين الشقيقين خلال العصور منذ فجر التاريخ إلى أوائل العصر الحديث، وهي صفحات قاسم فيها كل بلد أخاه في آلامه وآماله ومصائبه. واليوم تهفو قلوب كل من سكان البلدين إلى شقيقه، فالله أسأل أن يحقق هذه الأماني ويجمع الشمل.
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
العلاقات العلمية والأدبية بين القطرين
رأيت في الفصل السابق قوة العلاقات السياسية بين البلدين على مرور الأحقاب والدهور، وطبيعي أن تكون العلاقات العلمية والأدبية أقوى؛ فإن السياسة قد تنقطع عراها بين بلدين، ولكن من العسير جدا أن تفصم عرى العلم بين بلدين بانقطاع العلاقات السياسية بينهما، ومهما فعلت السياسة في التفريق بين بلدين فإنها لا تستطيع أن تمنع علماءهما وأدباءهما من التزاور والبحث والمناقشة. والحق أن العلاقات العلمية بين الشام ومصر عريقة جدا في القدم، وأكاد أقول إنها موجودة بينهما منذ أن وجد العلم والأدب والفن في هذين القطرين. ولعل أقدم العلاقات العلمية القوية بينهما ترجع إلى زمن الفينيقيين، فقد ذهب شامبوليون إلى أن الكتابة الفينيقية هي وليدة الكتابة الهيروغليفية، وأثبت دي روجة أن خمسة عشر حرفا من الاثنين والعشرين حرفا - وهي الأبجدية الفينيقية - تتشابه تمام التشابه مع مثيلاتها في الخط الهيروغليفي، وأن السبعة الباقية لا يبتعد الشبه بينها وبين مثيلاتها الهيروغليفيات. وكذلك كان الأمر بين اللغتين فإن التشابه بينهما كبير، قال كوستاف لبون في كتابه عن الحضارة المصرية: «إن لغات سورية وبلاد العرب وشمال إفريقية تنقسم كأهاليها إلى فرعين: الفرع السامي أو الفرع السوري العربي، والفرع الحامي أو الفرع المصري المتبربر، وبين هذه اللغات جميعا قرابة كالتي بين المتكلمين بها، واشتقاقها ولهجاتها المختلفة ترجع إلى أصل واحد أولي ضاع اليوم، ولكن هذه اللغات لم تبتعد عنه كل البعد.»
وقد رأيت في الفصل الذي عقدناه للعلاقات السياسية في زمن الفراعنة كثرة العلاقات والمحالفات بين البلدين، ولا شك في أن هذه العلاقات السياسة كان لها أثرها في العلاقات الاجتماعية واللغوية والأدبية. •••
وفي العصر اليوناني كانت العلاقات بين القطرين قوية أيضا، فإن اليونان لما احتلوا هذين القطرين نشروا فيهما كليهما لغتهم وآدابهم وعلومهم وعقائدهم، وصارت مدرسة الإسكندرية كعبة الطلاب السوريين يقصدونها من أنحاء بلادهم، كما كان كثير من العلماء السريانيين يقصدون البلاد المصرية وبخاصة الإسكندرية ليتعلموا ويعلموا. ولما غزا الفرس سورية هاجر قسم كبير من العلماء السريانيين إلى البلاد المصرية ونشروا فيها لغتهم حتى صارت لغة العلم والطب. وقد كان تزاور العلماء بين القطرين كثيرا جدا، ومن أشهر من زار مصر من السوريين وكان لهم فيها أثر كبير «حنا مسكوس»، وقد كان راهبا ألمعيا يجيد اللسان اليوناني، وقد رحل إلى مصر من الشام وأقام فيها طويلا هو ورفيقه «صفرونيوس» الدمشقي، وكان ذلك في نهاية القرن السادس للميلاد، وقد طافا أكثر بلدان مصر وأديرتها، ووصفا في مؤلفاتهما ما رأياه من آثار البلاد العجيبة. وقد اتصلا بالبطريق «حنا المرحوم» بطريق الإسكندرية وعظيمها، فكان يفيد من علمهما، ولما اضطر إلى الهرب من الإسكندرية وقت الغزو الفارسي هربا معه ورحلا إلى رومة، وهناك أعاد «حنا مسكوس» النظر في كتابه «مسارح الروح» الذي ما تزال قطعة حسنة منه باقية إلى أيامنا هذه، وهو من الكتب الطريفة الجامعة بين الأدب والدين والأخبار والمعجزات والأمثال والأحلام والتاريخ. ولصفرونيوس أيضا آثار ضخمة في الأدب والدين لا تقل عن كتاب أستاذه وصديقه «حنا مسكوس»، وصفرونيوس هذا هو الذي نشر كتاب أستاذه وحققه.
وقد استمرت مدرسة الإسكندرية مرجعا للطلاب السوريين من المسيحيين حتى بعد الفتح الإسلامي، ففي عام 680م قدم إليها يعقوب الرهاوي ليكمل دراسته عن آداب اللغة اليونانية واللغة السريانية. وفي أيام بني أمية كانت مدرسة الإسكندرية المعهد الوحيد الذي كان يغذي البلاد السورية بالطب والفلسفة والحكمة والصنعة والعلوم المسيحية، فهذا اصطفان الإسكندري يترجم بعض كتب الفلسفة والصنعة لخالد بن يزيد بن معاوية عالم بني أمية وفيلسوفها، وهذا الطبيب ابن أبجر الإسكندري يعتمد عليه عمر بن عبد العزيز في ترجمة بعض كتب الطب والحكمة.
أما معاهد الديار الشامية التي كان يقصدها المصريون قبل الإسلام فهي مدرسة بيروت الرومانية ومدرسة أنطاكية، أما مدرسة بيروت فقد أسسها أحد أباطرة الرومان لتعليم الفقه والأدب وجعل لغة التعليم فيها اللغة اللاتينية، وقد كان الطلاب يقصدونها من أنحاء البلاد جميعها حتى من القسطنطينية نفسها، قال المسعودي: «وقد خربت مدرسة بيروت قبل الإسلام بالزلازل ثم بحريق بيروت سنة 560م.» وأما مدرسة أنطاكية فقد كانت من آثار خلفاء الإسكندر الكبير ، وكانت دار علم وحكمة، وممن تخرج بها من الأعلام القديس يوحنا فم الذهب والقديس لوقا، وقد كان لهذين القديسين فضل كبير في نشر المسيحية وآدابها في الشام ومصر.
ولما جاء الإسلام ووحد بين الأقطار الشرقية قويت الصلات العلمية بينها جميعا وبخاصة مصر والشام، فإن الصحابة الذين نقلوا الدين والحديث والأدب الجاهلي من الحجاز كانوا ينتقلون به بين الشام ومصر، ومن أشهر المعلمين الصحابة الذين تخرج بهم المصريون والشاميون عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد كان على جانب عظيم من معرفة الحديث النبوي، كما كان من أوائل من دونوا الحديث، وكان له اطلاع حسن على علوم الأوائل وديانتهم، فقد قرأ التوراة وتعرف السريانية وكان يحج ويعتمر ويأتي الشام ثم يرجع إلى مصر، وقد روى عنه العلم والحديث كثير من الصحابة والتابعين في المدينة ودمشق والفسطاط، وعبد الله هذا هو مؤسس المدرسة المصرية في الدين. ومن كبار رجال مصر الذين رحلوا إلى الشام وتعلموا فيه وعلموا أهله الإمام الليث بن سعد (سنة 175ه)، وقد زار مكة والقدس وبغداد ولقي جماعة من التابعين فروى عنهم الحديث، وكان على اتصال دائم بالإمام مالك بن أنس يكاتبه في مسائل التشريع والفقه ويناقشه فيهما، وله في الديار المصرية أثر، وكان الشافعي يقول: «الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به.» ومن كبار رجال الشام الذين رحلوا إلى مصر وتعلموا فيها وعلموا الإمام محمد بن إدريس الشافعي الغزي (سنة 204ه)، وكان رحل إلى بغداد ونشر فيها مذهبه ثم رجع إلى الشام فمصر، وفيها استقر وجدد مذهبه ونشره في المصريين بعد أن كانوا قبله مالكيين. وقد كان لذهاب الشافعي إلى مصر تأثير كبير في الحركة العقلية والدينية، فقد كان الناس قبله يركنون إلى مذهب مالك كما ينقله إليهم تلاميذه في الحجاز، وهو - كما نعلم - مذهب يعتمد على الرواية والنقل أكثر من اعتماده على البحث والرأي، فلما جاء الشافعي - وكان شديد التأثر بمذهب أبي حنيفة العقلي وتلاميذه - نشر مذهبه وأخذ المصريون يناقشون ما بين أيديهم من المذاهب ولا يتقبلون شيئا دونما بحث أو تمحيص، كما كانوا من قبل. وإنك إذا قرأت «الرسالة» للإمام الشافعي وجدت أن الشافعي قد ملأها كثيرا من ضروب المناقشة وأصول المجادلة العلمية، وهذا أمر لم تعرفه مصر قبل رحيل الشافعي إليها. وقد كان من نتيجة هذه الحركة الشافعية أن ظهرت في مصر مدرسة مصرية جديدة على رأسها عالمان جليلان: أحدهما إبراهيم بن إسماعيل المعروف بابن علية المصري المتكلم، وعيسى بن أبان الفقيه، وقد ألف كل منهما رسائل في الرد على كتب الشافعي ومناقشتها، كما رد عليهما داود بن علي الأصبهاني.
Halaman tidak diketahui