ترجمة
نجيب محفوظ
الفصل الأول
أرض ذات شهرة قديمة
لو سألنا سائل عن أعظم أمم الأرض حفولا بغرائب التاريخ؛ لذكر سوادنا فلسطين؛ ليس ذلك لوجود شيء غريب فيها، ولكن للحوادث العظيمة التي مثلت على أرضها. وفوق ذلك فقد كانت موطن نبينا.
وبعد فلسطين تأتي مرتبة مصر، وفيها تمت سلسلة القصص التي بدأت على أرض فلسطين والمذكورة في العهد القديم؛ ذلك العهد الذي يخبرنا عن يوسف الصبي الرقيق الذي صار نائب ملك مصر، وعن موسى الطفل الإسرائيلي الذي صار أميرا في عائلة فرعون، ثم كان بطل قصة خروج بني إسرائيل من مصر. وفضلا عن ذلك؛ فمصر لها تاريخها الخاص بها، ترويه آثارها إلى اليوم ثم إلى غد وبعد غد، فلم يقم لها بين أمم الأرض القديمة نظير له ما لها من الملوك العظام والرجال العقلاء والجنود الشجعان، ولا يجد إنسان في مملكة غيرها آثارا ومخلفات لها نصف ما للآثار المصرية من الروعة والجلال.
إن لنا بعض المباني القديمة - وهي الحصون والكنائس - التي يرجع وقت تشييدها إلى خمسمائة أو ستمائة عام، وربما أكثر. وكم يتكبد الناس من مشقات السفر ليشاهدوها.
في مصر، تعد أمثال هذه المباني من الآثار الحديثة العهد، ولا يكاد يحفل برؤيتها إنسان، ويمكن أن تتصور ذلك إذا علمت أن المعابد العظيمة والمقابر الهائلة الموجودة الآن في مصر شيدت قبل أن يبدأ الكتاب المقدس بمئات السنين.
ولأضرب لك مثلا بالهرم العظيم الذي لا يزال أعجوبة الدنيا، فهو لم يشيد قبل أي بناء قائم الآن في أوروبا بآلاف السنين فقط ، وإنما شيد قبل أن يباع يوسف ويصير رقيقا في منزل يوتيفار. وآلاف الأعوام قبل أن يسمع إنسان بالإغريق والرومان، كان يحكم مصر ملوك عظام، يرسلون بجيوشهم لتغزو سوريا والسودان، ويبعثون سفنهم لتستكشف البحار الجنوبية. وكان حكماء المصريين يضعون الكتب التي نقرؤها الآن.
وفي الوقت الذي كانت بريطانيا جزيرة مجهولة مسكونة بالمتوحشين والهمج - كأنهم لتوحشهم وهمجيتهم سكان جزر البحار الجنوبية - كانت مصر أمة متمدينة كثيرة المدن العظيمة، عديدة المعابد والهياكل والقصور، وكان سكانها من أعقل الرجال وأعظمهم علما. وقد قصدت - في هذا الكتاب الصغير - أن أروي لك نتفا من تاريخ هذه الأمة العجيبة، وأبين لك نوع الحياة التي كان يحياها الناس في تلك الأيام الغابرة، قبل أن تبدأ الأمم الأخرى في الاستيقاظ، وقبل أن يكون لها تاريخ.
Halaman tidak diketahui