ووصلت الفرقة الأولى يقودها فرعون إلى شمال غرب قادش، وعسكرت هنالك بعد أن أنهكها الأين والكلال، وأخذ منها التعب كل مأخذ.
ثم رفعت الأثقال عن ظهور الحمير؛ لتأخذ قسطها من الراحة.
وإذ كانت الكشافة تجوب الجهات المختلفة لتستطلع أخبار العدو، عثرت في طريقها بعربتين، فقبضت عليهما، وسارت بهما إلى المعسكر، وقدمتهما إلى فرعون، وأمر الملك بضربهما بالعصي، حتى اعترف البائسان بأن ملك الحيثيين مختبئ في الجهة المقابلة لعسكر المصريين، وأنه يتربص الدوائر لينزل بأعدائه هزيمة منكرة.
وأسرع الملك فأنحي باللائمة على جنود كشافته، واتهمهم بقلة التبصر والتسرع في نقل الأخبار، وأصدر الأوامر بالتأهب للمسير.
ولكن قبل أن يقفز الملك إلى عربته - التي هيأها مينا للرحيل - دوت في الفضاء ضوضاء مزعجة عند باب المعسكر، ورئيت الفرقة المصرية الثانية مشتتة الشمل ضائعة اللب، وهي تفر أمام جيوش الحيثيين الجرارة وعرباتهم البالغة خمسة وعشرين ألفا، والآخرون يقتلون فيهم ويأسرون.
انتظر الملك في مخبئه حتى وصلته الأخبار من جواسيسه بمعسكر الفرقة الأولى، ولما درى بقدوم الفرقة الثانية أمر بالهجوم عليها دفعة واحدة، ولما كانت الفرقة منهوكة القوى من مشقة السفر، لم تستطع المقاومة والثبات، وانتهى الأمر بفرارها وانتصار الحيثيين عليها. وقد أحدث فرارهم - وما هم عليه من تعب وبؤس - خوفا عظيما في معسكر فرعون، سرى في نفوس الجميع، ففر سوادهم مع بقية أفراد الفرقة الثانية، ولم يبق لمقاومة الأعداء إلا فرعون وبعض أفراد العائلة الذين أبت شجاعتهم أن يسلموا للخوف ويولوا الأدبار.
ومع ما أظهره رمسيس من قلة التبصر وضعف النظر في قيادة الجيش؛ إلا أنه أبدى شجاعة نادرة وبسالة لا مثيل لها.
فبعد أن قفز إلى عربته، أمر أتباعه المخلصين باتباعه، وأمر مينا بسوق العربة للقاء الأعداء، ولم يكن مينا جبانا، ولكنه لما رأي عربات المصريين التي تعد على الأصابع، ثم شاهد عربات الأعداء التي لا تعد ولا تحصى، شعر، بالرغم منه، بالخوف يهز قلبه.
ومع ما اختلج في نفسه من الخوف، لم يفكر لحظة في الهروب أو العصيان، ولكنه وهو يميل إلى الأمام ليقود الخيل همس في أذن فرعون: «يا قوة مصر العظيمة في يوم الحرب، أنقذنا.» فأجابه: «الثبات ... الثبات ... سأفترس جموعهم كالباز.»
وفي الحال سابقت جياد مصر الريح قاصدة جيوش الأعداء، وكان لاندفاعها غير المنتظر أثره في نفوس الحيثيين، حتى إن فرعون وأتباعه اخترقوا الصفوف وغاصوا في لجتها. وكان مينا منهمكا في عمله حاصرا عقله فيه، غير مبال بما قد يصيبه من آلاف السهام المتطايرة في الجو، وكان فرعون يقاتل بمهارة منقطعة النظير، وكان قوسه يرسل السهام باستمرار، فتصيب مقاتل الحيثيين، وتصرعهم من عرباتهم. وكذا فعل الأمراء الذين كانوا يتبعون فرعون، وقد تركوا خلفهم صفوفا من القتلى والجرحى.
Halaman tidak diketahui