وجميع الذين شاهدوا العاصمة الجديدة يثنون عليها أجمل ثناء، ويشيدون بعظمها إشادة بليغة، ويسهبون في وصف معبدها الجديد وتمثال فرعون المقام أمامه البالغ ارتفاعه تسعين قدما، ولكن، حتى في ذلك الوقت كانت طيبة لا تزال مركز حياة الشعب التجارية.
وكان سبب قدوم الملك إلى طيبة هو توقعه قيام حرب بينه وبين الحيثيين، وقد أتى ليستشير أخاه الرب آمون، ليجمع جيشه.
وكان القصر الملكي في حركة غير اعتيادية؛ فالرسل ذاهبون آئبون، والقواد والمستشارون يدخلون وبأيديهم التقارير والأوامر.
ولم يكن القصر الملكي من الفخامة والمتانة بحيث يستطيع الخلود على ممر الأيام، وقد كان المصريون يشيدون القبور والمعابد على أن تخلد أمد الدهر، أما القصور فقد كانوا يبنونها لأجل معلوم. وقد كانت العادة أن الملك الجديد لا يقيم في قصر أبيه، وإنما يأخذ في بنيان قصر جديد يوافق مزاجه وذوقه، فلم يكن فرعون يشيد قصره إلا ليمضي فيه حياته القصيرة، وكان عالما بأن ابنه إن تولى الملك يوما سوف يبني قصرا جديدا، وعليه فقد كانت القصور تبنى من مواد بسيطة، وتحاط بأسوار متينة ضخمة؛ لأنه وإن كان فرعون ربا معبودا، إلا أن رعيته قد تتمادى في أشد حالات العصيان والتمرد خطرا، ولم تكن المكايد ضد الملوك مجهولة في ذلك الوقت، فقد حدث لأحد الفراعنة الماضين أن هوجم وهو على فراش القيلولة، واضطر إلى الدفاع عن نفسه بمفرده وبيديه ضد جماعة قوية من المتآمرين.
ومن ذلك الوقت رأى فرعون أن يعتمد على أسواره الضخمة، وعلى حراسة السردانيين الأقوياء، وألا يجعل جل اعتماده في الدفاع عن نفسه موقوفا على ألوهيته وعبادة الناس له. ويحيط هذا السور بحديقة غناء حافلة بأنواع الزهور والرياحين، وفي وسطها بحيرة صناعية محاطة بأنواع الأشجار والشجيرات المختلفة.
وفي نهاية الحديقة يوجد باب ضخم يؤدي إلى بهو الاجتماع العظيم، وهو مزين بالألوان، ومقام سقفه على أعمدة مزخرفة على شكل سيقان اللوتس، وعلى كل جانب من جانبي البهو توجد غرفة كبيرة، وخلف بهو الاجتماع توجد غرفتان للاستقبال، وهما أفخم غرفتين في مصر كلها، وخلفهما تأتي حجرات نوم أهل القصر العديدين.
ولرمسيس زوجات كثيرات، وله تبعا لذلك جيش من الأولاد والبنات، وغرفة نوم الملك منعزلة في جهة وحدها، ومكللة بالزهور والرياحين.
وكان «ابن الشمس» يمضي يوما مملوءا بالأعمال المختلفة، فكان عليه أن يطالع كثيرا من الرسائل والتقارير ليصدر حكمه فيها، وكان الأمراء السوريون قد أرسلوا للملك تقريراتهم عن تقدم جيوش الحيثيين، وطلبوا معونة الملك لدفع الخطر عن أنحاء ملكه الواسع.
وقد عقد الملك العزم على أن يصدر تصريحا بكل ذلك، ومن ثم يتبادل المشورة مع قواد ونبلاء المملكة. وكان في إحدى نواحي البهو شرفة فخمة كان يظهر فيها الملك لشعبه، وكانت واجهتها مرصعة بالجواهر والأحجار الكريمة، وكانت العادة أن الملكة وبعض الأميرات يقفن بجانب الملك عند ظهوره للشعب.
فتحت أبواب البهو، وتسرب إليه جماعات النبلاء وحكام الأقاليم وقواد الجيش الكبار ومديرو الإدارة، وتزاحموا جميعا ليقدموا فروض الطاعة لسيدهم ومولاهم، وفي لحظة اصطف الجميع في نظام وأدب، وفتح باب كبير، وفي الحال ظهر الملك العظيم؛ ملك الوجهين البحري والقبلي، مصحوبا بزوجته وأسرته.
Halaman tidak diketahui