Mesir Dari Nasir Ke Perang Oktober
مصر من ناصر إلى حرب
Genre-genre
وفي نفس صيف هذا العام، إذا به «يطالب» فجأة، أقول يطالب؛ إذ لا توجد كلمة أخرى تصف تصرفه هذا، بحضور الرفيق أندروبوف رئيس لجنة الأمن القومي (كي. جي. بي) إلى القاهرة. لم يوضح لنا الأسباب، وإنما طالب بحضوره هكذا ببساطة، وكأنما يستدعيه ليقدم له تقريرا، ولما لم يصل رد، بدأ السادات في العصبية. دعاني أحمد إسماعيل علي وزير الحربية للقائه. كان مهتما أيضا بعدم وصول الرد. أجبته بأنني لا أعرف السبب، ولكنني لفت انتباهه إلى أن الدعوة لم ترسل لا عن طريق السفير السوفييتي لدى القاهرة، ولا عن طريق السفير المصري لدى موسكو، وإنما، كما نما إلى علمي، أرسلت بخطاب شخصي من وزير الحربية، وقلت: إنه قد يكون من الضروري ربما إرسال استعجال، وقد يكون من المفيد أيضا إحاطة الرفيق أندروبوف علما بسبب دعوته للحضور إلى القاهرة. قال الوزير إنه يفهم ذلك جيدا، ولكن الرئيس مهتم بشدة بحضوره. وأضاف قائلا إن أمرا ما على جانب كبير من الأهمية سوف يقع قريبا في مصر، وإنكم، أيها الشيوعيون في الاتحاد السوفييتي، لن تفهموه على وجهه الصحيح. وبالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من القضايا المتعلقة بالوضع في مصر، وهي ذات صلة بعمل هذه المؤسسة التي يرأسها الرفيق أندروبوف. أبديت دهشتي بالطبع، لكن وزير الحربية أشار بأنه تحدث إلي أكثر مما ينبغي له أن يتحدث في هذا الأمر. وانتهى الحديث.
لقد قرر السادات، بشكل واضح، أن يصل في استفزازه إلى أقصى درجة؛ يدعو زعيما سوفيتيا بارزا، ثم يعلن له عن إقصائه عددا من رجال الدولة التقدميين في مصر من مناصبهم، وفي نفس الوقت يقدم له «ادعاءاته» المختلفة حول زعمه بأن «رجال أندروبوف » هم الذين يقفون وراء العديد من مظاهرات العمال والطلبة والمثقفين التقدميين، كما كان يحلو له أن يسميهم. كانت تصرفات السادات تجاه الفئات التقدمية تبدو كما لو كانت موجهة للاتحاد السوفييتي، وكان باستطاعته دائما أن يستند إلى أنه قد أحاط الاتحاد السوفييتي بها علما.
لم يأت الرفيق أندروبوف بالطبع إلى القاهرة، لكن السادات ظل يذكرني في كل مرة يلتقي بي فيها بأنه كان يريد أن يلتقي بواحد من أعضاء المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي بزعم ضرورة إجراء مشاورات مع الزعماء السوفييت، وأنه متعطش للمقابلة، ولكنهم رفضوا السماح بإجراء المقابلة. وراح السادات يؤكد أن كل ذلك يمثل خطا سياسيا عدوانيا جديدا من جانب الاتحاد السوفييتي في علاقته بمصر، وهلم جرا.
تلقيت بعد عدة أيام تعليمات من موسكو تفيد سفر نيكولاي بودجورني رئيس مجلس السوفييت الأعلى إلى مصر بناء على طلب السادات. ما إن تلقيت هذا الإعلان حتى شعرت لسبب ما أن أمرا غير عادي لا بد وأن يحدث. وبينما أنا في طريقي إلى الرئيس لإبلاغه قلت مازحا لرفاقي إنني أستطيع أن أزعم أن الرئيس سيرفض هذه الزيارة. ضحك الرفاق وبدا لهم أن هذه الفكرة مستحيلة؛ لأنها تخالف اللياقة، فضلا عن خرقها للأعراف السياسية. المسألة أن هذه الزيارة جاءت بالمناسبة عشية زيارة ليونيد بريجينيف إلى واشنطن، وهو أمر من شأنه أن يدعم بقوة موقف مصر والاتحاد السوفييتي في النضال الذي يخوضانه من أجل تسوية الوضع في الشرق الأوسط، كما أن هذه الزيارة كان من شأنها أن تعطي مثالا للتقارب في العلاقات بين الاتحاد السوفييتي ومصر، وهو ما كان يمثل ضرورة سواء لنا أو للمصريين قبيل هذه المقابلة. باختصار فقد كانت هذه الزيارة من الناحية الشكلية بدعوة من السادات، وهي من ناحية الجوهر تأتي عشية لقاء القمة السوفييتي الأمريكي الجديد، وهي زيارة تعبر عن الاحترام (زيارة رئيس دولة) مما لا يدع مجالا للشك، أنها تأتي في وقت حاسم تماما، وأنها مبشرة بالنجاح. على أنني رحت أفكر طوال الطريق إلى القناطر، والذي يستغرق أربعين دقيقة تقريبا فيما لو أن السادات رفض فجأة إتمام هذه الزيارة. أمر مستحيل، لكنني فكرت فيه، وكان حدسي يدعمني في ذلك.
بعد أن أبلغت السادات بالوصول المرتقب للضيف السوفييتي الكبير، راح السادات يتنفس بصعوبة، وبعد أن عرضت عليه مضمون الرسالة أضفت من عندي قائلا: إن هذه الزيارة، من وجهة نظري، سوف تعد ضربة موفقة لكل من يرغب في المماطلة في الوصول إلى حل لمشكلة الشرق الأوسط ولكل خصوم مصر، وخاصة أنها تأتي عشية لقاء القمة السوفييتي الأمريكي.
راح السادات يعبر عن الألم بكل قسمات وجهه، وفي النهاية راح يثرثر، دون أن يعرب عن امتنانه لهذا الخبر أو أن يشيد بقرار حكومتنا، وإنما قال لي دون مواربة إنه يطلب مني أن أبلغ موسكو بأنه لن يستطيع استقبال الضيف السوفييتي الكبير لأنه مريض، ليس مريضا تماما، وإنما يشعر بوعكة، وإنه منهك، وإنه لا بد أن يكون مستعدا تماما لكي يجري مباحثات مع الضيف السوفييتي. ثم أردف قائلا: انظر إلى حالتي (محاولا أن يتشكى، وقد رسم على شفتيه ابتسامة متكلفة).
كنت غير مستعد لهذا الانقلاب؛ فقد كان مفاجأة لي على أية حال، ولكنها مفاجأة ليست من العيار الثقيل.
أعربت عن تعاطفي مع السادات، وقلت له إن عليه أن يعتني بصحته وأن يخضع للعلاج، والراحة وإنه بالنسبة لهذه الحالة من الإجهاد يكون لقاء أصدقاء طيبين أمرا مفيدا للغاية أحيانا؛ فهم يزيحون الهم عن صدره عند تبادل الحديث معهم، أما حل القضايا المعقدة فيمكن الإعداد له تدريجيا مقدما، إذا لزم الأمر بالطبع؛ إذ يمكن عقد اللقاء حتى دون الوصول إلى قرارات جبارة. مرة أخرى أعود إلى أفكاري لأتخيل على أي نحو سوف يكون رد فعل موسكو على رسالتي التي سأخبرهم فيها بأن السادات قد رفض الزيارة! وهل فكر السادات نفسه في هذا الرد مسبقا، أم تراه اتخذه في هذه اللحظة عفو الخاطر؟
مرة أخرى يلتقط السادات أنفاسه في أسى ويقول لي إنه يحس بالضعف إلى حد أنه لن يكون باستطاعته استقبال الضيف الرفيع المقام .
عندئذ خطرت برأسي فكرة أخرى؛ قلت للسادات إن كان من الضروري أن يأتي البروفيسور تشازوف إلى مصر، وهو الطبيب الخبير بحالة الرئيس الصحية، وقد يكون بإمكانه تقديم المساعدة له.
Halaman tidak diketahui