Mesir Dari Nasir Ke Perang Oktober
مصر من ناصر إلى حرب
Genre-genre
صاح هيكل: لماذا فعلت هذا؟ هل فكرت في عواقب ذلك على الجيش؟ على البلد؟ وقال هيكل إنه شعر بطعنة لأن ناصرا هو الذي ألح على القيادة السوفييتية في وجود السادات تحديدا لإرسال عسكريين سوفييت إلى مصر، والآن يأتي السادات ليلغي بمفرده ما عمل ناصر بدأب على تحقيقه. لم أكن على علم آنذاك، بطبيعة الحال، بما كتبه هيكل في كتابه «الطريق إلى رمضان» حول الرسالة السرية التي بعث بها رئيس الولايات المتحدة نيكسون إلى السادات، والتي يقول له فيها: الآن يمكنكم أن تنعموا بالراحة وأن تفعلوا ما يحلو لكم. ولكن عليكم أن تتذكروا أن مفتاح حل مشكلة الشرق الأوسط في يد الولايات المتحدة الأمريكية. ليس عبثا أن كتب كيسينجر في مذكراته حول قرار السادات بإبعاد الخبراء العسكريين السوفييت: «لقد حصلنا منه على كل شيء ولم نعطه شيئا.»
بالطبع فقد غادر المستشارون العسكريون السوفييت ومعهم الفنيون مصر على نحو منظم، أما مشاهد الوداع في الجيش المصري فكانت مؤثرة للغاية. كثير من الضباط والجنود انخرطوا في البكاء واعترفوا بهول الشعور المفاجئ بالوحدة و... الخجل لما أقدم عليه رئيسهم.
فكرت كثيرا في ذلك القرار الذي اتخذه السادات. لا شك أن هذا القرار قد جرى اتخاذه قبل ذلك بكثير. ما الذي دفعه لاتخاذ هذه الخطوة التي أضعفت مصر سياسيا وعسكريا؟ لقد دعم وجود العسكريين السوفييت الجيش المصري حتى وصل به إلى المستوى المطلوب من الإعداد، فضلا عن ردع إسرائيل عن القيام بعمليات عسكرية كبرى ضد مصر. يكفي أن نذكر التوقف الكامل للغارات الجوية التي كان الإسرائيليون يقومون بها على المناطق المأهولة بالسكان بعد أن أصبحت مؤمنة تماما.
بعد عدة أيام من إعلان قرار السادات بإبعاد العسكريين السوفييت أخبرني السفير البريطاني لدى مصر بصراحة مذهلة قائلا: «كنا في السابق نسعى بشكل أو آخر لتسوية أزمة الشرق الأوسط بسبب وجود العسكريين السوفييت في مصر، الذين كنا نرى ضرورة مغادرتهم مصر. أما الآن وقد غادرها عسكريوكم، فلم يعد لدينا الحافز بتسوية المشكلة.» وهكذا تخلى السادات عن ورقة الضغط التي كان العرب يملكونها، والتي كانت ستساعد على تسوية الصراع في الشرق الأوسط.
إذن، فقد كانت لدى السادات خطط ما في علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية، وكانت تصرفاته هذه تلويحا له يقول: «أنا معكم!» لكن التقارب بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، والذي راحت إسرائيل تؤيده بنسبة 100٪ كان بحاجة إلى ما يدعمه ويبرره. لم يكن ذلك ممكنا إلا في حالة ما إذا ظهرت الولايات المتحدة بمظهر مختلف تبدو فيه صانعة للسلام أو - إذا جاز التعبير - «السمسار الشريف». لنتذكر: هنا مكمن الخطورة في تصرفات السادات، وهو ما رآه الناصريون تحديدا.
كان عام 1973م موعدا لحدث ذي مغزى عالمي وقع في الشرق الأوسط ألقى بالضوء على طريق ظهور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لقد اشتعلت العمليات العسكرية الضخمة التي كان أطرافها مصر وسوريا وإسرائيل، والتي عرفت باسم حرب أكتوبر أو حرب رمضان.
3
كان التوصل إلى حل الصراع العربي الإسرائيلي، أو بتعبير أدق، استعادة الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل، بما فيها الأراضي المصرية، وكذلك ضمان حقوق الشعب العربي الفلسطيني هو القضية الأساسية أمام السياسة الخارجية لمصر، فضلا عن كونها القضية الكبرى التي حددت مسار الوضع السياسي الداخلي للبلاد. لقد كان نفاد صبر الدوائر صاحبة التوجه الوطني الحقيقي تجاه تحقيق العدالة على وجه السرعة أمرا له ما يبرره؛ ولهذا السبب عمل ناصر على دعم الوضع الاقتصادي لمصر وإعادة بناء القوات المسلحة المصرية بمساعدة الاتحاد السوفييتي، واتخاذ خطوات سياسية كبرى على الساحة الدولية، واستطاع أن يكسب لمصر في مجال العلاقات الخارجية العديد من الأصدقاء المخلصين وعلى رأسهم الاتحاد السوفييتي.
بعد وفاة ناصر، كان من الواضح أن قضية إزالة آثار العدوان أصبحت موضوعا للمضاربة السياسية الداخلية، والتي تجلت في صراع السادات مع خصومه. أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية فقد أصبحت وسيلة من وسائل الضغط، إما على الاتحاد السوفييتي (بهدف إلقاء مسئولية عدم التوصل إلى تسوية على عاتقه، وفي نفس الوقت في السعي للمطالبة بالحصول على مساعدات متميزة)، وإما على الولايات المتحدة الأمريكية (بهدف لفت الانتباه إلى نية السادات في تغيير النهج السياسي للبلاد والتلويح باتخاذ حليف له).
كان الرئيس الجديد، شأنه شأن سلفه، يدرك جيدا أن التوصل إلى حل لقضية الصراع في الشرق الأوسط دون مصر، الدولة العربية الكبرى والأكثر تقدما والأقوى من الناحية العسكرية، أمر مستحيل. وأنه ما دامت إسرائيل تحظى بدعم مطلق من الولايات المتحدة الأمريكية، وأن لها اليد الطولى على الأراضي التي تحتلها، فإن التوصل إلى حل سلمي للصراع في الشرق الأوسط بالنسبة للعديد من الدول العربية وحكوماتها هو أمر يجافي الواقع، وأنه لم يبق أمام هذه الدول سوى الاعتماد على القوة، التي يعد استخدامها شرعيا ما دام الحديث يدور عن استرداد ما أخذته إسرائيل بالقوة، وهي التي تعترف بذلك علنا في كل مكان. لم يكن بمقدور الدول العربية الأخرى بطبيعة الحال، أن تخوض غمار الحرب ضد إسرائيل دون مشاركة مصر.
Halaman tidak diketahui