Sejarah Mesir di Zaman Khedive Ismail Pasha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genre-genre
8
غير أن إقدام سعيد على تتميم مد السكة الحديدية بين الإسكندرية ومصر - وهي سكة افتتحها في أول يناير سنة 1856 - وإنشاء خط آخر بين القاهرة والسويس؛ وانشغال فكره في الإصلاحات التي عزم على إدخالها في حكومة السودان؛ وفي الامتياز الذي منحه المسيو دي لسبس لأجل حفر ترعة السويس؛ ثم في عقد القرض الذي أورث خلفه عبأه؛ ومداهمة المرض له، على أثر ذلك، مداهمة هدمت بناء جسمه الشديد؛ كل ذلك حال دون مثابرته على عمل تطهير الترع التي أنشأها والده، ودون التفكير في إنشاء غيرها.
فلما مات ترك الزراعة في أزمة، كان لا بد لحلها من همة شماء، ونشاط فائق، يبذلان بسخاء في سبيل ذلك.
تلك الهمة وذلك النشاط وجدا، لحسن حظ مصر، في (إسماعيل) خليفته، فإنه وقد رأيناه وهو أمير، وولي عهد فقط، يقبل على تحسين مزروعاته الخاصة تحسينا ضاعف محصولها - صمم أن يعمل للقطر، بشكل كبير واسع، ما عمل في أملاكه بشكل صغير ذي دائرة ضيقة.
فأقدم، أولا، على إنماء مساحة الأطيان المنزوعة قطنا بمصر، لا سيما في الصعيد، إنماء كبيرا، وذلك لأن الحرب الأهلية بالولايات المتحدة كانت حينذاك في أشد استعارها، ونشأ عنها بوار مزارع أميركا القطنية بوارا عظيما، فتحولت أنظار المعامل النسجية البريطانية وغيرها إلى القطن المصري؛ وأخذت تقبل على ابتياعه أيما إقبال، بأثمان عالية علوا لم يكن يحلم أحد به.
فلكي ينال غرضه سريعا أعلن في عموم مديريات مصر العليا على ألسنة كبار موظفي الإدارة والعمد والمشايخ عن استعداده لإعطاء المزارعين، مجانا، كل البذرة التي يحتاجون إليها، مهما بلغت مقاديرها وقيمتها، فبينما كانت مساحة الأطيان المنزرعة قطنا في الصعيد تقرب من أربعة آلاف فدان فقط، إذا بها قد أصبحت، بفضل سعيه ودأبه، مائة ألف فدان في نهاية سنة 1864؛ أي: بعد مرور أقل من سنتين على تبوئه سدة الإمارة.
وكان كثيرون من الفلاحين يزرعون أطيانا، وجدوها مهملة، فوضعوا أيديهم عليها واستغلوها، دون أن يكون عندهم حجج ملكية بها؛ فيحدث كثيرا أن أهواء أصحاب الأمر أو الجاه في نواحيهم، تغتنم ذلك لتنزعها من بين أيديهم متذرعين بأية وسيلة كانت أو ترهقهم في مطالبات مالية عليها، تحملهم على تركها والإقلاع عن زراعتها؛ فتعود بورا، فتنقص بذلك المساحة المنزرعة في القطر؛ وتضيع على المالية الضرائب التي كانت تلك الأطيان تدفعها، فخول (إسماعيل) لأولئك الفلاحين حق استخراج حجج ملكية لتلك الأطيان، على أن يدفعوا جانبا يسيرا من النقود بصفة رسوم عليها، فتهافتوا على الانتفاع بالحق المخول لهم؛ وأصبحت الأطيان التي كانوا يزرعونها وهم متخوفون، ملكا حرا لهم، لا يستطيع أحد منازعتهم فيه، وباتت فلاحتها مضمونة؛ والأموال المربوطة عليها، كذلك؛ بعد أن كان تحصيلها موكولا إمكانه إلى طوارئ الحدثان.
على أن إنماء (إسماعيل) كمية الأطيان المزروعة في القطر إنماء كبيرا لم يكن إلا باكورة أعماله في مضمار، كان يهمه أن يجري شوطا بعيدا فيه، بقدر ما تهمه الفائدة التي تعود عليه منه، بصفته أكبر مزارع في القطر.
فإنه ما لبث أن استقدم من أوروبا عددا عظيما من ماكينات الري البخارية - وكان استعمالها قد شاع هناك، وحل محل معظم الآلات الرافعة - وأقامها في أطيانه الخاصة، فاقتدى به كبار الملاك وصغارهم، من الباشا والبك، إلى العمدة والشيخ، واستوردوا من تلك الماكينات ما كاد يجعل، بسبب الدخان المنبعث عنها والمخيم في الأفق، ضفاف النيل شبيهة بضفاف التيمس.
وتسهيلا لمهمة هذه الماكينات من جهة؛ ولكي يزيل من جهة أخرى الخطر الذي كان يهدد زراعة البلاد كلها بسبب انطمار ترع القطر بالطمي المتراكم في قاعها، أقبل، بكل همة ونشاط، على تطهير الكبري من تلك الترع - وكان أمر تطهيرها منوطا بالحكومة رأسا - وأصدر الأوامر إلى المديريات بإلزام النواحي والكفور بتطهير صغرياتها المارة بها والملقى أمر صيانتها إليها، وشدد في تلك الأوامر تشديدا كفل نفاذها، وما فتئ كل سنة يكلف المديرين بالإسراع، أيام التحاريق، في إنجاز الأشغال اللازمة لحفظ جسور النيل، حفظا فعالا، حتى تكون على أتم ما يرام، في أوان الفيضان - لأنه كان قد علم بنفسه، وهو أمير، أن الهيئات الحاكمة، كثيرا ما تهمل تلك الأشغال، أو لا توفيها حقها من العناية؛ فتصاب الزراعة والقرى بمضار جسيمة، حتى في السنوات التي يكون فيضان النيل فيها عاديا.
Halaman tidak diketahui