Sejarah Mesir di Zaman Khedive Ismail Pasha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genre-genre
فأخذ يستفهم ويستفسر عن كل ما يرى؛ فتقدم إليه ناظر المحطة ومهندس القاطرة بكل بيان شاء وإيضاح طلب والإيضاحات التي سأل عنها، حتى إذا أتت الساعة الحادية عشرة، صعد إلى صالونه الخاص، وجلس (إسماعيل) وفؤاد باشا في مقعد آخر مجاور ليكونا تحت طلبه، وركب باقي الأمراء العثمانيين والعلويين في عربات القطار الأخرى؛ وكذلك رجال الحاشيتين، فسار بهم القطار يقطع سهول الوجه البحري، والراكبون يتحادثون بما توجبه المناظر الممتدة أمامهم من مواضيع الحديث، حتى إذا بلغ بهم القطار كوبري كفر الزيات الفخم، أخذ الكل يعجبون ببنائه، ويعظمون من شأنه، ويبالغون في تقدير نفقاته، واستفهم السلطان عنه من (إسماعيل) فقال: إنه بلغ ما يزيد على السبعة ملايين من الفرنكات، وأخذ البرنس حليم يقص على من معه في المقعد حكاية نجاته من الموت في حادثة سقوط القطار في النيل، منذ خمس سنوات تقريبا.
ولما مروا على طنطا، ورأوا ازدحام الأقدام على محطتها، ونظروا مآذن الجامع الأحمدي تعلو في آفاقها؛ طلب عبد العزيز بعض إيضاحات عنها وعن أهميتها فأجابه (إسماعيل) إلى طلبه، وقص عليه ما يعمل فيها أيام المولدين الأحمديين الأصغر والأكبر.
وحكى له على سبيل الفكاهة كيف أن نساء الريف المجاور - حينما جعل (محمد سعيد باشا) الخدمة إجبارية على الجميع - تجمهرن حول سرايه بطنطا وأخذن يصحن ويصخبن وبلغ من بعضهن الحمق مبلغه، فأقبلن بعصي في أيديهن على جدران مسجد مجاور يضربنها صائحات: «خذ! هذا جزاؤك، أيها الظالم، الذي تريد انتزاع أولادنا منا!» بينما (سعيد باشا) - وكان مصابا برمد في عينيه، وقد استفهم عن سبب اللجاج والهرج الواصلين إلى أذنه، وعلمه - يقهقه ويكاد يستلقي على ظهره من كثرة الضحك؛ وكيف أن إحدى تلك النساء لمحت ناظر المحطة الفرنجي واقفا على رصيفها القريب من القصر فنادت زميلاتها وأشارت إليه قائلة: «هاكن النصراني الذي يسير أولادنا في عربات النار، هلم لننتقم منه!» فتحول تيار سخطهن صوب ذلك المسكين وهجمن عليه كمجنونات، غضابى، وهن يصحن: «لنقتلنه! لنقتلنه!» ففر الرجل من وجوههن، هائما خائفا؛ واقتفين أثره؛ وركبن خلفه كأنه الصيد وهن السلوقية، وما زال يجري وهن يطاردنه حتى وصل باب سراي الأمير، فاقتحمه خائفا منذعرا، وبعد أن أوصده وراءه صعد وسقط على قدمي سعيد هاتفا: «أنقذني يا مولاي» وأخبره الخبر، فكاد سعيد يغشى عليه من الضحك، ولم يعد يستطيع جمع أجزاء جسمه المترجرج.
2
ولما بلغ القطار براكبيه كوبري بنها، ورأوا، من خلال النوافذ، السراي الفريدة التي أقامها عباس باشا، عند أحد تعاريج النيل، في نقطة تجتلي عين الناظر منها مساحة من الأفق، قلما يضارع جمال أي منظر في العالم، جمالها الطبيعي، تمثلت أمام أعينهم الفاجعة الرهيبة التي قضت على حياة ذلك الوالي، في أعماق تلك السراي، المهملة منذ ذلك الحين - فسرت في أجسامهم قشعريرة كأنهم يرونها تمثل من جديد؛ وتخيلوا الألفي بك، محافظ مصر، آتيا منها مرة أخرى؛ داخلا ذلك القصر الدامي؛ مخرجا منه الجثة الهامدة، مرتدية ملابس الجسم الحي: مجلسا لها في صدر العربة - كأن عباسا لا يزال العاهل الحاكم، وكأنه لم يمت - آمرا الحوذي، الذي كان يجهل كل شيء، أن يسير إلى مصر؛ داخلا العاصمة، وهو جالس في تلك العربة على يسار جثة الوالي القائمة - كأن الموت لم ينزل على عرش مصر منذ سويعات؛ متخذا كل استعداد وحيطة لحرمان محمد سعيد باشا ولي العهد الحقيقي من ميراثه وإقامة إلهامي باشا الغائب في الأستانة مكان عباس أبيه.
وقص (إسماعيل) على عبد العزيز كيف أن قناصل الدول عارضوا الألفي بك فيما أراد فعله واحتجوا عليه، فلم يتم له ما نوى، واستتب الأمر لمحمد سعيد، فبلغ من رعب ذلك الرجل، بالرغم من تأكيدات الوالي الجديد الطيب القلب له، بأنه قد صفح عنه وغفر له زلته، أنه، حالما دوت في أفق مصر، أول طلقة من المدافع المؤذنة بتولية سعيد، وقع مغشيا عليه وفارق الحياة.
3
وبينما القطار واقف بالمسارفين ببنها، لمحوا على أحد أرصفتها، القطار القائم إلى الزقازيق.
فسأل السلطان (إسماعيل) عن الوجهة التي يقصدها ذلك القطار، فأجابه بإيضاح واف، واستطرد الحديث إلى التكلم عن السويس وترعتها، واغتنمها فرصة ليبذر بذور أغراضه الخفية في الأذن السلطانية، حتى إذا ما جاءت الأيام، التي يرى إظهار تلك الأغراض فيها، يكون السلطان مستعدا لتعضيده في إنجاحها.
وبعد ما فارقوا بنها وأخذوا يقتربون من مصر؛ وبدأت قمم الأهرام العظيمة تبدو في البعد كأنها تناطح السحاب، مجللة بثوب العثير الدقيق الذي تلحفها به الرياح الهابة على الصحراء حولها، دارت الأحاديث على ماضي مصر المكنون وعلى الأعمال القديرة المعجزة، التي تمت فيها على أيدي فراعنتها الأماجد، وأحس (إسماعيل) في تلك الحظة، بأن هاجسا قام في قلبه يحدثه بأن ملكه معد ليعيد مجد العصور الفرعونية التي دالت ؛ ويسر له قائلا: «إن التاريخ سيقيمك في مصاف أكبر أولئك الفراعنة مجدا وفخارا».
Halaman tidak diketahui