Sejarah Mesir di Zaman Khedive Ismail Pasha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genre-genre
وأما الحملة من (المتمة) فإنها تألفت من ست جماعات مصرية، قامت إلى التخوم الحبشية الشمالية الغربية في غضون سير حملة أرندروپ إلى حدودها الشمالية الشرقية؛ لتحويل جانب من قوة النجاشي إليها، وتمكين أرندروپ من القيام بمهمته، ولكن قوة الأحباش كانت أكبر من أن تجزئها قوة صغيرة كهذه، فصد يوحنا حملة (المتمة) وهو يدير رحى القتال في (قوندت).
وكانت العاصمة المصرية، منذ أن فشت فيها أخبار الحملات على الحبشة، باتت شائقة للوقوف على تفاصيل حركاتها، ومتوقعة أن يكون النصر قرينها، بذات السهولة التي اقترن بها في الحملات السودانية. وبما أن الألسنة تذيع عادة الأنباء التي ترتاح إليها القلوب، فإن الإشاعات عن نصر ساحق أحرزته حملة أرندروپ طفقت تنتشر أولا في الأوساط الرسمية، فتثير شعور فرح أو شعور حسد حسبما كانت الأذن السامعة أذن صديق أم أذن حسود، ثم انتشرت في الأندية والمجتمعات عينها، وأبهجتها.
ولكن الأنباء الصحيحة ما لبثت أن وردت، فقلبت شعور الفرح إلى شعور كدر وغم، وشعور الحسد إلى شعور شماتة وتهكم. على أن الدوائر الرسمية أظهرت رغبتها في التكتم وإخفاء الحقائق؛ لأن النكبة كانت من شأنها أن تنفر النفوس الغربية من الحكومة المصرية سياسيا وماليا، فأيام الشدائد المالية كانت أخذت تطل من الآفاق، وحوادث الصعوبات مع فرنسا بشأن الإصلاح القضائي، كانت قائمة على قدم وساق، تزداد تعقدا كلما اجتهد في الوصول إلى حلها.
وغلبت على تلك الدوائر الفكرة بوجوب المبادرة إلى تجهيز حملة أخرى، تحاط جميع مسببات الفوز وتسييرها في الحال للاقتصاص من الأحباش، والانتقام لمجد مصر المهين، بحيث تبلغ الغرب في آن واحد أنباء كسرة أرندروپ، وأنباء فوز الحملة المرسلة للثأر لها فوزا ساحقا، فتستمر الثقة بمصر تامة، بل تزداد رسوخا.
فعبئت أربعة آلايات من البيادة؛ أي 9600 عسكري، وآلاي من السواري؛ أي 800 فارس، وخمس فرق من الفارين، وبطاريتا ميدان؛ إحداهما من نحاس، والأخرى من صلب، وكل منهما مركبة من ست قطع، وبطاريتا جبل، وبطارية ساروخ، يجرها جميعها 334 بغلا، ويقوم بخدمتها 474 مدفعيا بضباطهم وعددهم أربعة وعشرون. وأضيف إلى هذه القوة آلاي بيادة من السود، وهيئة أركان حرب مؤلفة من رئيس وأمير لواء وثلاثة أمراء آلاي وستة قائمي مقام ويوزباشيين وثلاثة ملازمين أول وعشرين ملازم ثان وأربعة عشر عسكريا، فبلغ مجموع الحملة: 11120 عسكريا، و1058 حصانا، و1204 بغال، وحسب أنه بانضمامه إلى بقايا حملة أرندروپ يتكون منه جيش قدره 12000، ولم تكن بالقوة التي يستهان بها، على شرط عقد لوائها إلى رجل ذي كفاءة تامة، ولكن الصعوبة كلها كانت في اختيار ذلك الرجل وتعيينه؛ فالخديو - لعلمه بأن ليس بين كبار ضباطه من أتراك وشراكسة من يصلح للقيادة العامة، ولعدم وجود ضباط مصريين في هيئة العسكرية العليا - كان ميالا إلى عقد لواء الحملة لضابط من كبار ضباط الأمريكان، المتكونة منهم هيئة أركان حرب الجيش: كالجنرال ستون، أو الجنرال لورنج؛ لوثوقه الكلي بهم، وركونه إلى جدارتهم. وكان يعضده في ميله هذا، ويقوي عزمه عليه، الرجال - وعلى رأسهم نوبار باشا، وزير الخارجية في تلك السنة - الراغبون في الفرنج، المقتنعون بوجوب استخدام معارفهم ومعلوماتهم وكفاءتهم، العاملون على بثهم في جميع المصالح لكي ينظموها من جهة، ويعلموا المصريين من جهة أخرى كيف يستغنون عنهم في القريب العاجل.
غير أنه كان هناك حزب آخر - وعلى رأسه شريف باشا وإسماعيل صديق باشا - يكره الفرنج ويمقتهم، ويستنكر وجودهم في مصالح البلاد، واشتراكهم في شئونها، ويبذل جهده في إقصائهم، وإبعاد أيديهم عن الأعمال التي استقدموا للقيام بها، ولولا أنه كان منقسما على ذاته إلى قسمين: «التركي»، وزعيمه شريف باشا، و«المصري»، وزعيمه إسماعيل صديق باشا، وأن التركي نفسه كان منقسما إلى قسمين: «الشركسي»، و«التركي»، وكل من القسمين يكره الآخر، ويدس له الدسائس، بينما الشراكسة لا يقبلون الأتراك، والأتراك يمجون الشراكسة - لما جعل للرجال الراغبين في استخدام الفرنج مركزا، ولا أبقى لهم مكانا.
ذلك الحزب المعادي للغربيين ما فتئ يقبح (لإسماعيل) تعيين أمريكي على رأس الحملة المعدة، ويتخذ من الكارثة التي محقت أرندروپ حجة لتسفيه آراء القائلين بعدم استغناء الحال عن الفرنج، ومرغبا لتعيين ضابط شرقي هذه الدفعة، ولو من قبيل الاختبار والتجربة، ليقود أعلام مصر الإسلامية إلى الأخذ بالثأر من الحبشة المسيحية، للمصريين الذين قتلوا في (قوندت)، حتى تغلب رجاله على جهود خصومهم، وميول (إسماعيل) عينها، وحملوا الخديو على تسليم لواء الحملة إلى السردار راتب باشا.
وراتب هذا شركسي من أنسباء شريف باشا، والمعروف عنه أنه أبي النفس، شجاع، لا يحتمل التصغير، ولا يهاب الموت، ويروى - لتأييد ذلك عنه - أن (محمد سعيد باشا) - وقد كان راتب مملوكه، وهو الذي رباه في كنفه، وأرسله على نفقته الخاصة إلى فرنسا ليتعلم في مدارسها الحربية - غضب عليه ذات يوم، وهو أميرالاي، فاستدعاه إليه، وبعد أن أشبعه لوما وتأنيبا وزجرا اندفع في تيار سخطه عليه إلى حد بعيد فرفع يده - وكانت لضخامتها تعد مخلوقة لصفع الفيلة - ولطمه بها على خده، وطرده من أمامه، فخرج راتب إلى حجرة مجاورة، وتناول مسدسا، وأطلقه على نفسه من جهة فمه بقصد الانتحار لعدم رغبته في الحياة بعد الإهانة التي لحقته، ولعدم تمكنه من التفكر في الانتقام لنفسه من مولاه وولي نعمته، فخرقت الرصاصة خده، ونفذت من تحت قاعدة أنفه من الشمال، دون أن تصيب منه مقتلا، فحمل داميا إلى بيته، وما نقه من جرحه أو كاد إلا وفر إلى الأستانة، خوفا من بطش (سعيد) به، مع أن (سعيدا) - وكانت تعجبه جدا أعمال الشجاعة ومظاهرها، ولم يكن من طبعه يدري ما هو الحقد - كان قد أكبر عمله، وأعاد رضاه عنه في سره إليه، ولم يكن منتظرا سوى شفائه لإعلاء منزلته والزيادة في تقريبه من نفسه، ولم يعد من عاصمة الإسلام إلا بعد وفاة مولاه، فاتخذه (إسماعيل) سردارا لجيشه. وراتب هذا قصير القامة، أسمر اللون سمرة شديدة؛ لأن أمه كانت جارية سوداء، وهو بسبب كثرة انهماكه في الملاذ الجسدية نحيف نحيل ناشف، كأنه جسم مصبر، أو إحدى موميات العصور الخالية.
30
على أن (إسماعيل) وإن انقاد إلى مؤثرات حزب شريف وإسماعيل صديق، وعين راتب باشا نهائيا قائدا عاما للحملة الحبشية، لم يكن بالرجل الذي يعمي نفسه عن الأخطار التي قد تنجم لجيشه عن مثل ذلك التعيين، فرأى أن يخفف من وطأتها، ويزيل من شرها بضم الجنرال لورنج الأمريكي وبعض ضباط آخرين من كبار ضباط أركان الحرب زملائه الأجانب إلى الحملة: الأول بصفة رئيس أركان حرب للجيش، والباقون بصفتهم ضباطا تابعين له؛ ليجد راتب في حكمتهم ودرايتهم العسكرية ما يتمكن به من القيام قياما محمودا بالمهمة المعهود بها إليه.
Halaman tidak diketahui