303

Sejarah Mesir di Zaman Khedive Ismail Pasha

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Genre-genre

مسكينة تلك القوة! هذا الموت الفظيع كان مقدورا لها، ومن لم يمت منها بالرصاص مات بالسيف، ومن لم يمت بالرمح مات بالنبوت! وخصى الأحباش بعد ذلك الجثث، ليحمل كل فائز من أولئك الهمجيين ما يستطيع من مخاصي أعدائه، فيعلقها على باب بيته دلالة على انتصاره، وعلامة على الفخر الذي أحرزه بقتل رجال الأعداء، وهذه هي عادتهم منذ زمان بعيد، كما كانت عادة هنود أمريكا الحمر أن يعلقوا على أبواب أكواخهم جلود رءوس أعدائهم المسلوخة عن جماجمهم بشعرها!

وبينما جمهور قوات النجاشي يقضي هذا القضاء المبرم على أرندروپ ومن معه، اندفعت فرقة حبشية أخرى لمهاجمة جنود روشتان بك؛ لأن هذه - وقد سمعت ضوضاء القتال وضجته - كانت قد أسرعت إلى نجدة رفاقها، ونزلت من الجبل بجلبة وضوضاء، مختلطة الحابل بالنابل، جمالا وخيلا ورجالا، وانتشرت بياده ومدفعية وحيوانات أثقال، من (عدى حواله) إلى (قوندت)، فداهمها الأحباش فجأة.

ولكنها لم تنذعر، واستفاد روشتان بك من المنحدر الذي كان وراءه ليجمع شمل قواه بسرعة حوله، واختار لمدفعيته موقعا مشرفا على ميدان القتال بأسره، فدارت المعركة بين الطرفين بحدة، وتراوحت النتيجة بينهما برهة.

غير أن باقي قوى الملك ما لبثت أن فرغت من مجزرة أرندروپ، وتحولت هادرة، كمياه غدير متدفق، إلى مقاتلة جنود روشتان بك، فطوقها من كل جهة، من الجبهة والجانبين والخلف، واندفعت عليها، والألوف فيها تزاحم الألوف، فما هي إلا ساعة حتى داستها دوسا وهرستها هرسا، جاعلة إياها كوما واحدا لا يعرف أحد فيه، كوم لحم بشري دام!

على أن قوادها لم يروا هذا المنظر الفظيع؛ فروشتان بك أصيب في أول القتال بجرح في رأسه، فربطه بمنديل واستمر يشجع رجاله ويقاتل قتال الأبطال حتى أصيب برصاصة أخرى، فلم يغادر مكانه، وبينما هو يلفظ نفسه الأخير بزفير، أمر جنوده بالحمل على العدو برءوس الحراب وصدها، فمات وجنده يأتمر بأمره، ويحمل حملة عنيفة.

وأراكيل بك نوبار جرح جرحا خطيرا في مبدأ التلاحم، فلم يثبط الدم السائل منه بغزارة همته، وما انفك يقاتل كليث، حتى تيقن أن الآمال كلها ضاعت، فتسلق صخرة عالية، وشرب جرعة، ثم أطلق مسدسه على نفسه، وخر قتيلا.

ويروى عن أرندروپ، لما أحاط به الأعداء، أنه فرغ أولا مسدسه على أقربهم إليه، ثم امتشق حسامه، وقاتل قتالا مروعا، حتى جدل على كوم من حبشان، قطع صارمه أعمارهم، فسقط معه ثمانمائة رجل، وسقط ألف مع روشتان بك، ووقعت المدفعية والأسلحة برمتها في أيدي الأحباش، وسبعون ألف ريال، وكل من لم يقتل - وكانوا قليلين - من ضمنهم ثلاثون أسود، صرخوا مذ أحاط بهم الأعداء «ماريكوني»؛ أي خذوني، فنجوا بذلك من الموت والخصي معا.

وإزاء هذه الخسائر المصرية الفادحة لم يفقد الأحباش سوى 350 رجلا بين جريح وقتيل!

أما رشدي ودنيسون فإنهما - امتثالا للأوامر الصادرة إليهما - كانا قد أقاما على قمة الجبل (بعدى حواله) يترقبان، فأتاهما في صباح المعركتين حبشي مصادق، وأخبرهما بانتشاب القتال، فأرسلا يستطلعان، وإذا بعسكري مصري فاز بنفسه من القوتين المسحوقتين أتى وأخبرهما بما حصل، فأخذا يستعدان للقتال، وتحصنا بسور بنوه بسرعة، فظهر العدو أمامهما بقوة، مرتين أو ثلاث مرات في ذلك النهار المشئوم، دون أن يشتبك معهما في حرب، فما زادهما ذلك إلا حماسة في استعدادهما وعزمهما. وإنهما لكذلك، وإذا بعسكري ممن مثل بهم وأمكنهم الفرار قد أتى في حال يرثى لها، ثم أعقبه آخرون، فأخبروا بالكارثة المخيفة والمصيبة الجلى، وألقوا الفزع في قلوب الجنود، ففرقوا على أنفسهم، وسقطوا في أيديهم، ولولا عزم القائدين وحزمهما لفروا هاربين ، ولكن دنيسون ورشدي قويا عزائمهم وحملاهم على التترس والتحصن، وما وافى الليل إلا وأتاهم الجند الذي كان وضعه أرندروپ، المنكود الحظ، على جبل قوندت، وكانوا قد رأوا المعركتين والكيفية الدموية التي انتهيتا إليه، فأسرعوا للانضمام إلى قوة دنيسون الوحيدة الباقية.

فلما بزغ الصباح علت تهاليل الأحباش بالفوز الذي أوتوه، فكانت كأنها زئير أسود عاجة، وشابهت ما انشق عن صدورهم منها في هجماتهم القتالية في اليوم البارح، وكانت زمرة آتية من (قياخور) بمؤن للجيش، فخاف سائقو القطعان فيها، وهربوا، ولم يبلغ (عدى حواله) سوى نصف القادمين.

Halaman tidak diketahui