Sejarah Mesir di Zaman Khedive Ismail Pasha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genre-genre
وبالفرمان الثاني، قلد السلطان (محمد علي) الولاية على بلاد النوبة ودارفور وكردوفان وسنار؛ ولكن بدون حق في توريثها لأعقابه؛ كأن السلطان أراد بذلك أن يقيم على الحدود المصرية الجنوبية، للمستقبل، خطرا يشهره خلفاؤه فوق رءوس خلفاء (محمد علي) كسيف دامكليس، ابتغاء إبقائهم في حدود الطاعة والأمانة، فيما لو عن لهم الخروج عنها - مع أن (محمد علي) هو الذي فتح تلك الأقاليم، وأخضعها لحكومته المصرية، ولم يكن لسلطان تركيا عليها من حق، إلا ما نجم له عن فتح (محمد علي) لها - وألزمه، مقابل ذلك، أن يقدم له بيانا مفصلا مضبوطا بإيراداتها عامة، ليفرض الجزية الموافقة عليها؛ وأن يبطل النخاسة منها وعادة خصي السود، وأبلغه في الفرمان عينه: (أولا) عفوه عن جميع الجنود والضباط والمستخدمين الذين اشتركوا في تسليم العمارة العثمانية له، مستثنيا منهم بعض أفراد عينهم بالاسم، وعلى رأسهم أحمد فوزي باشا أمير تلك العمارة - وهو الذي قصده نوبار باشا في الرواية التي رواها للورد كرومر، وذكرها هذا في الصحف الأولى من كتابه المعنون «مصر الحديثة» ومفادها: «أن أحد أمراء الأساطيل العثمانية كان قد انضم إلى (محمد علي) أثناء حروبه مع تركيا، وعززه عليها، وخدمه في مقاومته لها، خدمات جلى، فأعلى (محمد علي) منزلته، وحفه بصنوف من الرعاية والعناية والنعم، لم يترك معها محلا في نفسه لشهوة أو أمنية، فعاش الرجل عيشة رغيدة على فراش وثير من الهناء، إلى أن وضعت الحرب أوزارها بين التابع والمتبوع، وختمت معاهدات لندن والفرمانات التالية لها، الأزمة الشديدة التي زعزعت قواعد الشرق الأدنى نيفا وعشرة أعوام، فتذكر الباب العالي حينذاك - ولم يكن قد نسي قط - الخيانة التي ارتكبها أمير أسطوله، وحمل إلى فهم (محمد علي) أنه يحل إقدامه على معاقبة ذلك الجاني عقابا سريا، منزلة جميل بليغ يسديه إليه ، فأرسل (محمد علي) إلى ذلك التركي من أفهمه أن الحياة متاع فان، وأن لذاتها ظل زائل؛ وأنه يجدر بالمرء أن لا يفتأ مستعدا لمقابلة وجه ربه الكريم في أي وقت يشاء الله أن يستدعيه إليه؛ وأن الموت قد يأتي أحيانا في جرعة ماء، أو فنجان قهوة إلى من يحن أجله. فأدرك الأميرال العثماني معنى الكلام؛ فقام من ساعته وتوضأ وصلى صلاة العصر؛ ثم تجرع فنجان القهوة المسمومة الذي قدم له، بتجلد، كأنه أحد الستوئكيين، تلامذة زينون الفيلسوف؛ وهو يقول بالتركية: «قسمت»
2
وأبلغه (ثانيا) تثبيته كبار ضباط الجيش المصري، وكبار موظفي الحكومة المصرية في الرتب السامية التي أنعم عليهم بها، واعتماد بابه العالي إياها.
فأبدى (محمد علي) ارتياحه إلى إرادة السلطان المعبر عنها الفرمانان؛ ولكنه طلب تعديل كيفية التوريث، ومقدار الجزية السنوية، والحق المعطى له في ترقية الصف ضباط والضباط، ومنح الرتب.
فخابر الباب العالي بذلك الدول الوسيطة السابق ذكرها في 19 أبريل سنة 1841 فردت عليه في 10 مايو التالي، وأشارت بجعل التوريث بالأرشدية، وتعيين مبلغ محدد للجزية، يراجع ليعدل بين حين وحين؛ ولم تر بأسا في تخويل (محمد علي) حقا أوسع من المخول له، فيما يختص بترقية الجنود والضباط، ومنح الرتب؛ لاعتبارها الجيش المصري والبحرية المصرية جزءا من القوات البرية والبحرية العثمانية.
فأصدر السلطان فرمانين آخرين نهائيين إلى (محمد علي)، أحدهما في أول يونية سنة 1841 / 11 ربيع الآخر سنة 1257؛ والثاني في 20 يولية سنة 1841/أول جمادى الآخرة سنة 1257، حدد له بمقتضاهما، حدود الولاية المصرية، طبقا للمبين في خريطة أرسلها الصدر الأعظم إليه؛ وأجابه، فيما عدا ذلك، إلى طلباته: فجعلت الوراثة بالأرشدية، كما هي في بني عثمان؛ على أن يكون التعيين من الباب العالي، وبموجب فرمان خاص يصدره السلطان؛ وجعل مقدار الجزية 80 ألف كيس على حساب الكولونات الإسبانيولية، وخول والي مصر حق منح الرتب لغاية درجة «الميرالاي»؛ وأما درجتا «الميرلوا» و«الفريق» فأبقى حق منحهما مرتبطا باستئذان الأستانة أولا.
وعلى ذلك صادقت الدول الأوروبية الوسيطة؛ وانضمت فرنسا إليها في نهاية الأمر، فأصبح النظام المصري كما هو مقرر في تلك الفرمانات الأربعة، جزءا من النظام السياسي الدولي العام؛ وأصبح مركز مصر، القائم عليه تحت حفظ الدول الغربية جمعاء، فيما يختص بعلاقاته معها، وعلاقاتها به، وفيما يختص بالمحافظة عليه من مطامع الدولة العلية عينها، ومن تعديات أحداها عليه.
على أنه لم يوجد فيه شيء يحظر على والي مصر تعديل القيود التي تربطه بالدولة العثمانية، دون غيرها، وتكييف مركزه منها، ومركز بلاده الداخلي بالنسبة إليها، وفيما لا يمس بمصالح الدول الغربية السياسية والتجارية، تكييفا يكون أكثر موافقة له، ولقطره.
فلما جلس (إسماعيل) على أريكة مصر، وجعل إحدى غايات حكمه إنالة بلاده أكثر ما يمكن من الاستقلال، لم يأل جهدا في سبيل البلوغ إلى ذينك التعديل والتكييف، بلوغا تكون نتيجته تحرير مصر من قيد السيادة العثمانية، وتمتع عرشها بجميع حقوق السيادة والملك.
فأول ما وجه إليه مجهوده تحويل نظام الوراثة من الأرشد فالأرشد في ذرية (محمد علي) كلها إلى الولد البكر فالولد البكر من ذريته هو - وكان (عباس الأول) قد سعى هذا السعي عينه، ولم يفلح - فلم تثبط خيبته همة (إسماعيل)، لأنها كانت مشتعلة بنوعين من أنواع الوقود، لا يدعان نارها تخبو أبدا؛ وهما: الحقد والحب.
Halaman tidak diketahui