207

Sejarah Mesir di Zaman Khedive Ismail Pasha

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Genre-genre

غير أن النقود اشتغلت، من وراء الستار، وبذلت عن سعة، فقامت الجرائد المعادية للمشروع في إنجلترا تطعن طعنها المر المعتاد عليه، وتسفه أحلام القائمين به، وترميهم بالمثالب والمطامع الشخصية، والعمل على تحقيقها دون سواها، وتنادي بالويل والثبور على استخدام السخرة في سبيل إنشاء تلك الترعة، معلنة منافاة ذلك لمبادئ الإنسانية والمدنية الأوروبية، وانضمت إليها في حملاتها بعض الجرائد الفرنساوية عينها، لا بل بعض كبار الكتاب والمفكرين، ومنهم پارادول؛ فإنه سئل من بعضهم، عند عودته من القطر المصري: «هل ذهبت لمشاهدة أعمال ترعة السويس؟» فأجاب بتميز: «لم أذهب، ولو ذهبت لجعلتها خرابا!»

27

غير أن جرائد أخرى، في عموم الدول الأوروبية، قامت تدافع عن المشروع وتحبذه، وتدافع عن حقوق الشركة وتعضدها، وأثار دي لسبس الرأي العام الفرنساوي وهيج عواطفه الوطنية بأن صور له المشروع فرنساويا محضا، وأفهمه بأنه إنما يضطهد ويقاوم لفرنساويته؛ وأن الشرف الفرنساوي أصبح، إذا، متعلقا بنفاذه، وبلغ من دفاعه عن حسن سمعة مشروعه، أنه قدم نوبار باشا نوبار، بصفته الشخصية، لا بصفته مندوب (إسماعيل) إلى محكمة جنح السين، متهما إياه بنشر كتابات ومستندات مزورة ثلابة، من شأنها إحباط ثقة مساهمي الشركة بمشروعها، وهتك ناموس القائمين به.

28

فدفع محامو نوبار التهمة بإبراز كتاب مرسل من الدوق دي مرني إلى موكلهم، يبرر عمله ويعده بتعضيد الإمبراطور، فأعلم دي لسبس الإمبراطورة أوچيني بالواقع، وتشدد في طلب إبعاد دي مرني عن الأمر؛ ولم يحجم عن استنهاض همم مواطنيه، لا سيما كبارهم، لحملهم على الوقوف بجانبه وقوفا يرغم ويقهر الخصوم، ويخيب مساعيهم.

فأقام مريدوه وليمة له بباريس في 11 فبراير سنة 1864، تحت رياسة البرنس چيروم نابوليون، وبحضور نيف وألف وستمائة مدعو، ألقيت فيها الخطب الرنانة، مطالبة بإزالة كل عقبة من طريق إنشاء تلك الترعة، وأهمها خطبة رئيس الحفلة نفسه، وخطبة المسيو دي لسبس، وخطبة المسو ديپين، من كبار رجال الشرع والقضاء بفرنسا.

29

أما الرئيس فإنه، بعد أن أحرق بخور الثناء والمدح (لإسماعيل)، واعترف بأنه إنما يقاوم دي لسبس وشركته، لا لرغبة منه في تعطيل مشروع القناة، ولكن لرغبته في أن يقوم، هو نفسه، بإنجاز ذلك العمل الخطير، أنكر عليه مقدرته على القيام بذلك، واستشهد على صحة قوله بزعم زعمه له موچيل بك، مؤداه أن مصر، بعد أن صرفت نيفا وعشرين مليونا من الفرنكات على إنشاء القناطر الخيرية، حرمت نفسها الاستفادة منها، لضنها بمليون وخمسمائة ألف فرنك أخرى، ثمن الأبواب التي كانت تلك القناطر في احتياج إليها، فتركتها، إذا، تئول إلى الخراب لقعود همتها عن إنفاق ذلك المبلغ اليسير الباقي، المطلوب لتمام عملها؛ وشبه الشرقيين على العموم، في مشاريعهم وأعمالهم «برجل يفقد بنطلونه، لإهماله خياطة زر ينقصه!» وختم خطبته بنصيحة أسداها للشركة بأن تطرق باب التصالح مع الحكومة المصرية على مبدأ منع السخرة، ورد الأطيان مقابل عوض معقول.

وأما المسيو دي لسبس، فبعد أن شرح أغراض الشركة ومراميها، ونتيجة ما وصلت إليه في أعمالها، ومقدار الخير الذي أسدته إلى الصحراء الواقعة بين الزقازيق والسويس، بحفرها الترعة التي أوصلت مياه النيل الحلوة إليها، فأحيتها؛ ومقدار ما يجب أن ينتظر من نجاحها، بعد تمكنها من جلب مياه البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة التمساح - لأن هذا هو العمل الذي قعدت دون إتمامه همة السلف؛ وأما إيصال القلزم بتلك البحيرة عينها، فقد قام الأقدمون به، ونفذته أيضا الأعصر الوسطى - قال: إن الشركة لا ترفض الاتفاق مع الحكومة المصرية، ولكن على شروط تلائم مبادئ الحق والإنصاف، وتراعي ما وصل إليه المشروع، والتعهدات التي في حيازته؛ فلا تقف في سبيل نجاحه.

وأما المسيو ديپين، فإنه، بعد أن أقر مشروعية أعمال الشركة، ولو أنه لم يصدر، إلى ذلك الحين، فرمان سلطاني يؤيد الامتياز الممنوح لها، أبدى أمله بأن تزول كل عقبة، سريعا، من سبيل المشروع وتحقيقه، فتتحول ترعة السويس من «ترعة عواصف» إلى «ترعة رجاء صالح» مشيرا إلى ما أجاب به ملك البرتغال (عمانوئيل السعيد) أمير سفنه الجسور، برثلماؤس دياز، فإن هذا البحري المقدام، لما روى لذلك الملك السعيد الطالع حوادث رحلته حول شاطئ إفريقيا الغربي من شماله إلى جنوبه ، ووصوله، في محاولته بلوغ بحار الهند، إلى أقصى رءوس تلك القارة، جنوبا، واصطدامه هناك بزوابع وعواصف وأنواء حالت دون تقدمه، بما أفزعت من قلوب بحارته ومخيلاتهم، وما أسقطت من هممهم، قال لملكه: «إني قد رأيت، إذا، أن أسمي ذلك الرأس «رأس العواصف»!» فقال الملك: «كلا، بل ندعوه «رأس الرجاء الصالح» تيمنا بالخير في المستقبل! وإلا ثبطنا الهمم، وعقنا الإقدام!»

Halaman tidak diketahui