Sejarah Mesir di Zaman Khedive Ismail Pasha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genre-genre
27
فعاد المطالبون بإبطاله من الغربيين إلى النفخ في أبواقهم، وهم لا يدرون من الملوم في إبقائه.
فلما آل العرش إلى (إسماعيل)، وصمم هذا العاهل، كما قلنا، على إدخال بلاده، بصراحة، في مضمار المدنية الغربية، وطن نفسه على إبطال الرقيق، توطينه إياها على إلغاء العونة والسخرة كقول فون ستيفان في كتابه «داس هوتجي إجپتن ص153».
وكانت النخاسة، إذ ذاك، في أشدها، بالرغم من مقاومة (محمد علي) و(سعيد) لها، وبالرغم من عمل الحكومة المصرية على تقليل توريد الأرقاء، نيلا، وإبطالها أسواق الرقيق الرسمية بمصر والإسكندرية وطنطا وغيرها من البنادر! «فالبحارة» في جهات النيل الأبيض، و«النهاضة» في جبال النوبة وجبال فازوغلي، وفي جهات كردوفان الجنوبية، كانوا لا يفتأون عاكفين على صيد السود بقوة السلاح، كأنهم وحوش برية، وسبيهم والسير بهم إلى أسواق الرقيق في الأبيض وفاشوده، والقلابات، حيث كان الجلابون يشترونهم منهم؛ وبعد أن يبيعوا أقلهم قيمة في أسواق الخرطوم، والمسلمية، وود مدني، وسنار، والقضارف، وكسلا، وبربر، وشندي ، ينزلون بأقواهم وأجملهم إلى مصر، إما عن طريق النيل، في مراكب يرفعون عليها رايات دول غربية، ليحتموا بها؛ وإما عن طريق الصحراء، إلى أسيوط، حيث كان يوجد معمل للخصي، يديره قسوس من الأقباط حازوا، في أنهم من أمهر الناس في إجراء ذلك العمل الفظيع، شهرة شائنة، وينسلون منها سرا إلى مصر والإسكندرية، وأهم بنادر القطر، ويعرضون بضائعهم البشرية على الراغبين فيها، إما باطلاع رجال الحكومة، وموافقتهم الصامتة؛ وإما خفية وخلسة بمساعدة شركاء لهم معلومين.
وكان ثمن الولد الأسود أو البنت السوداء التي من عمره، ما بين عشرة جنيهات، واثني عشر جنيها؛ وثمن الصبي الحبشي، ما بين 20 و30 إلى 90 جنيها ومائة جنيها؛ وثمن البنت الحبشية التي سنها ما بين الثانية عشرة والسابعة أو الثامنة عشرة، من 70 جنيها إلى 100 جنيه؛ وكان ثمن الرقيقات التي سبق استخدامهن أرخص من غيرهن، إلا إذا كن من صاحبات الحرف، كأن تكن طاهيات أو ما شاكل ذلك، فإنهن، في مثل هذه الحال، كن يبعن بثمن أعلى، وأما الخصيان، فكانوا أعلى ثمنا من الجميع، لندرتهم، والسبب في ندرتهم قلة نجاح عملية الخصي، وموت تسعين في المائة من الذين كانت تعمل لهم.
وكان يوافي جلابو الرقيق الأبيض جلابي الرقيق الأسود إلى تلك الأسواق، والفرق بين الرقيقين جسيم جدا: لأن الرقيق الأبيض كان اختياريا؛ وأما الأسود، فكان مجلوبا قسرا، وكان ثمن الجارية البيضاء يختلف بين 200 جنيه وخمسمائة، ويتراوح، أحيانا، تبعا لجمال الجارية المبيعة، ما بين 800 جنيه وألف جنيه.
وكان الراغبون في الشراء كثيرين، إما لسد فراغ أحدثه الموت في عدد الأرقاء الموجودين في بيوتهم - والموت كان كثير الزيارة للأرقاء، وأغلب ما كانت أعمار هؤلاء البؤساء قصيرة! - وإما للمغالاة في مظاهر الأبهة والترف، فقد كانت توجد بيوت غاصة بالمئات من الجواري، ولا يعرف أربابها منهن إلا القليلات، فيقبلون، أفرادا أفرادا، على محلات الجلابين، ويشترون ما يطيب لهم من الرقيق المعروض، وهم أبعد من أن يفتكروا، حتى ولا في المنام، بالفظائع والآثام والجرائم التي ارتكبت في سبيل تموين بيوتهم، وسد حاجة معيشتهم القومية؛ أبعد من أن يفتكروا بأن النخاسة كانت تنتزع، سنويا، أكثر من خمسين ألف أسود من حقولهم ورباهم ومراعيهم، فلا يبقى منهم، حيا، كل سنة، بعد المشقات التي يقاسونها، سوى عشرة في المائة؛ وأن النخاسين كانوا، حتى بعد وصول الرقيق إلى مصر، يحتقرون حياة أولئك البؤساء إلى درجة أن اثنين منهم تخاصما، مرة، على ملكية بنت سوداء، فطعنها أحدهما بخنجر، لكيلا يأخذها خصمه.
هكذا تشتري موسرات الغرب، وعقائل كبار سراته وذواته الدنتلات والتطريزات والأشغال اليدوية النسائية الأخرى بثمن صغر أو عظم، وهن لا يفتكرن، لحظة، بأن أيدي فتيات بائسات ربما أمضين غالب أيامهن بدون عشاء، هي التي اشتغلت، في سهرات الليالي الشتائية الطويلة، وعلى نور الزيت الضئيل، تلك الحاجيات التي يتطلبها الظرف، وتوجبها الكياسة.
وكان الجلابون يتحاشون بيع رقيق إلى أوروبيين؛ ولا يقدمون على ذلك، إلا بحيطة كبرى؛ لعلمهم بأن معظم الفرنج ميالون إلى إظهار نقمتهم على تجارتهم البشرية، أو التظاهر بها، رغبة منهم في وقوفهم موقف المرء ذي الشعور الرقيق والإحساس الشفيق!
فما مضت على تبوء (إسماعيل) عرش أبيه بضعة أشهر إلا وأصدر أوامره المشددة إلى موسى حمدي باشا ، المعين من قبله حاكما عاما على السودان، بتعقب تجار الرقيق وقطع دابرهم، فألقى موسى باشا في تلك السنة عينها سنة 1863 القبض على سبعين مركبا مشحونة بالأرقاء بين كاكا وفاشودة، وأتى بالمسبيين إلى الخرطوم، ثم أحضر ملك، «الشلك» من فاشودة؛ فسلمه الرقيق الذي أخذ من بلاده، ورجعه بالهدايا إليها، ووزع الباقين على التجار والموظفين لتربيتهم، وأما النخاسون، فإنه زجهم في السجن، ولم يخرجهم منه حتى تعهدوا بعدم العودة إلى مثل تلك التجارة - وعود عرقوبية باطلة!
Halaman tidak diketahui