Sejarah Mesir di Zaman Khedive Ismail Pasha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genre-genre
ثم استدعى (إسماعيل) من سويسرا أستاذا خصيصا في التعليم وحركته، يقال له: المسيو دور؛ وبعد أن أنعم عليه برتبة البكوية، عينه مفتشا عاما للمعارف، وكلفه بتنظيمها، وتوسيع نطاقها على النمط الفرنجي؛ ورتب مجلسا أعلى للإشراف على شئون المدارس؛ وخص وزارة المعارف بميزانية سنوية، تراوحت بين سبعين وثمانين ألف جنيه، ولما اضطره، فيما بعد، انفاقه على المنافع العمومية الأخرى، والشئون السياسية المختلفة، إلى الاقتصاد من ذلك المبلغ قليلا، وهب تلك الميزانية إيراد تفتيش الوادي - بعد أن استرده من شركة قنال السويس، مقابل مبلغ عشرة ملايين من الفرنكات - وكان مجموع ذلك الإيراد ستمائة ألف فرنك سنويا. على أن مصروفات إدارة التفتيش كانت تستغرق جزءا كبيرا من هذا المبلغ؛ فأخذها (إسماعيل) على عاتقه الشخصي، وقرر ستمائة ألف فرنك سنويا للمعارف بكيفية ثابتة.
فقام دور بك بمهمته، بعزم صادق وهمة عالية؛ وبعد أن درس موضوعها درسا عميقا، وأجرى بعض تعديلات في المدارس الموجودة - كتحويله مدرسة الإدارة إلى مدرسة حقوق، (شرع ناظرها المسيو ڨيدال يعلم القانون الروماني والقانون الفرنساوي فيها؛ ويقارن بينهما وبين باقي الشرائع، توطئة وتمهيدا لتخريج رجال حقوقيين تكون فيهم الكفاءة للجلوس على منصات القضاء المختلط الذي كانت المخابرات دائرة في أمر إنشائه مع الدول صاحبات الامتيازات)؛ وكجعله مدرسة اللغات معهدا لتخريج مترجمين ومنشئين، يشتغلون في الإدارات، أو في إخراج ما يلزم من الكتب للمعاهد العلمية؛ وكإضافة قسم طب بيطري إلى مدرسة الطب انتظم في سلكه خمسون طالبا؛ وإنشاء قسم فلكي في سراي الأمير مصطفى فاضل السابق ذكرها - ووضع، للمدارس عامة، المناهج الوافية، الكافلة بلوغ الأماني ونيل المنى، فيما لو نفذت برمتها.
ولكن تنفيذها التام كان متعسرا؛ وجل مجهودات الخديو ووزراء معارف أمته ومساعديه كان ضائعا في مجموعه لسببين: (الأول) قلة المال، بالرغم من تعاقب النفحات الخديوية؛ و(الثاني) قلة الرجال، بالرغم من استحضار الأساتذة من أوروبا، وحف إرسالية الطلبة المصريين فيها بكل صنوف العناية.
أما قلة المال، فلأن الحركة التمدينية التي قام بها (إسماعيل)، تناولت كل مظاهر الحياة القومية، والحياة الاجتماعية، ومكنوناتهما؛ واستنفدت معظم إيرادات البلاد وإيراداته الشخصية، وما لم تستنفده تلك الحركة، ابتلعته المساعي إلى الاستقلال وإلى إحلال الدولة المصرية من مصاف الدول العظمى في المحل اللائق بماضيها الفرعوني وحاضرها العلوي، كما سنرى في البابين التاليين: فلم يعد في حيز الإمكان الإنفاق على التعليم، أكثر مما كان ينفق عليه، بالرغم من شدة الرغبة في توسيع دائرة الإنفاق.
على أنه لا يجب أن يستنتج من ذلك فكرة تحط من قدر المجهود المبذول في هذا السبيل: فإنه بينما كانت ميزانية التعليم بمصر تتراوح بين السبعين والثمانين ألف جنيه سنويا، ولا تقل عن الستين ألفا حتى في أسوأ سني العسر المالي - وذلك غير المنفق على المدارس الحربية والبحرية التابعة لميزانيتي وزارتي الحربية والبحرية، وغير ما كانت تنفقه إدارة الأوقاف على عموم مدارس المساجد والكتاتيب - لم تكن ميزانيته في تركيا تزيد أبدا على الخمسين ألفا حتى في أجود سني الرخاء - وذلك بالرغم من أن سكان تركيا كانوا سبعة أضعاف سكان مصر؛ وبالرغم من أنه لم تقم في تركيا حركة تمدينية البتة كالحركة التي أثارها (إسماعيل) بمصر؛ ولا ألزمها مركزها السياسي بنفقات في غير أبواب الإدارة الداخلية، كما ألزم مركز مصر السياسي الحكومة المصرية بها.
على أن مبدأ المجانية المطلقة في المدارس المصرية - وقد كان مبدأ معدوما كلية في تركيا - هو الذي كان يجعل المبلغ المخصص لميزانية التعليم غير واف بالمراد ولا مساعدا على القيام بالمقصود، وذلك لأن مصاريف طعام التلامذة وكسوتهم ومسكنهم، ناهيك بما كان يتقاضاه بعضهم من المرتبات الشهرية، على زهادتها، كانت تبتلع ثلاثة أرباع الميزانية، ولم تكن مرتبات المعلمين تستنفد أكثر من الربع الباقي ؛ وكانت، لهذا السبب، زهيدة حتما، وغير مشجعة على العمل، فمرتبات معلمي المدارس الثانوية، مثلا، كانت تتراوح بين مائتي قرش وسبعمائة وخمسين قرشا شهريا!
ونجم عن جعل المجانية أساسا للتعليم ضرران عظيمان: (الأول) اضطرار الحكومة، مع تقدم الأيام وتغير عقلية الأمة فيما يختص بإرسال أولادها إلى المدارس، إلى حصر عدد التلاميذ، الممكن قبولهم في المدارس الأميرية، ضمن دائرة محددة؛ وحرمان الكثيرين من الراغبين في التعلم من ثمرات العلم الشهية؛ لأنه لما كانت نفقات التلميذ الواحد يكلف الحكومة ستة وعشرين جنيها سنويا، بين تعليم وأدوات تعليم ولبس وأكل ونوم، لم يعد في الاستطاعة إجابة طلبات جميع الراغبين في الالتحاق بالمدارس بل ولا جلها؛ وبات من المحتم الاقتصار على محلات معدودة في كل مدرسة بالرغم من أن الدفعة القوية التي صدرت عن (إسماعيل) للشئون العلمية، أدت، في ظرف عشر سنوات، إلى إنشاء المدارس الأولية على النظام الأوروبي في المديريات، وإلى تشجيع التعليم الابتدائي في الكتاتيب ومدارس المساجد وغيرها، مما سيأتي بيانه.
وإلى مثل هذه النتيجة، وهي الاقتصار على محلات معدودة في المدارس وحرمان الكثيرين من الراغبين في التعلم من ثمرة العلم الشهية ، وصلت حكومتنا اليوم، بسبب مغالاتها في الإنفاق على تشييد معاهد التعليم، وإفراطها في المرتبات الضخمة الممنوحة للأساتذة الأجانب.
والضرر الثاني فقدان الطلبة حرية اختيار المدرسة الثانوية أو العليا، التي يميلون إليها ميلا طبيعيا، بعد فراغهم من تلقي دورسهم الابتدائية؛ لأن الحكومة المتولية الإنفاق عليهم، كانت ترى نفسها أحق منهم بذلك الاختيار: فتتصرف فيهم كما تشاء، تصرفا كثيرا ما كان غير الحكمة رائده؛ لأن الصدف والظروف تجعله في يد وزير ربما تعوزه الحكمة.
مثال ذلك ما حدث حينما خلف قاسم باشا في ديسمبر سنة 1872 شاهين باشا على دست وزارة الحربية، فإنه رأى في 11 فبراير من السنة التالية أن يعزز هيئة الضباط، ويضاعف عدد تلامذة المدارس العسكرية؛ فطلب إلى بهجت باشا وزير المعارف أن يسمح له بأن يختار من مدارس الحكومة المدنية، الشبان الذين يحتاج إليهم؛ ولم يسع بهجت باشا إلا موافقته، لئلا يرمى بأنه يريد إضعاف قوة مصر المدافعة عنها، فاختار قاسم باشا 144 طالبا من التحضيرية، و65 من التجهيزية، و96 من المهندسخانة، بحيث لم يعد في الفرقة الأولى منها سوى تلميذين من الثلاثين الذين كانوا فيها.
Halaman tidak diketahui