Mesir dalam Dua Pertiga Abad
مصر في ثلثي قرن
Genre-genre
الإدارة
«وقد اقترح بعضهم حديثا أن يتعلم المرشحون أمورا تفيدهم في مناصبهم الرسمية في مصر والسودان وشرع في إخراج هذا الاقتراح من القول إلى الفعل على سبيل التجربة»
اللورد كرومر سنة 1905
أمام الإدارة المصرية دائما شبح هائله مخيف هو شبح الأمن العام، ولكن الإدارة المصرية لم توفق يوما واحدا لتأمين نفسها صولة هذا الشبح، فأنواع العلاج التي التمستها له لم تكن تزيده إلا خللا واعتلالا، واللجج الزواخر التي رفعتها من صنوف العمل والتدبير كانت ولم تزل تتكسر على صخرته الصماء، ضاع المال الذي لا يحصى في سبيل الأمن العام، ونفدت الحيلة التي أظهرها أصحاب السيطرة في القرن الأخير، وهي تجربة قاسية تنطق بأن اليد التي تحركت لتصلح كانت قادرة على إضاعة المال والوقت فقط.
من الممكن أن يخرجوا اللوائح والمنشورات التي وضعت خلال ثلث قرن المعالجة الأمن العالم من خلله فيبنوا بها جبالا من الورق، ومن الممكن أن يعودوا إلى الوسائل التي التمسوها لمعالجة الأمن العام من سقمه ليروا كيف لا تتعارف إلا كما يتعارف الماء والنار، ولقد كان النفي الإداري آخر وسيلة استعيرت من سياسة القرون المظلمة ليصلح بها الأمن العام في القرن العشرين ولكنها لم تفلح أيضا، فهل هذه الخيبة كلها لأن مصر واد من أودية الشياطين فلا يستطيع البشر رياضة أهله على الخير؟ أو لأن الداء الدفين في صدور غير صدور أهل البلاد؟
الإدارة المصرية فروع ترجع إلى أصل معين، أو هي كأعضاء الجسد تستمد الهداية من الرأس، ولا ريب أن الحياة التي تدب في أصل الشجرة تتمشى في عروقها جميعا، وإذا صلح الرأس صلح الجسد كله، وإن الأغصان الجافة الميتة لتدل على جفاف أصلها وموته، وفساد الأعضاء ناطق بفساد الرأس، كانت فروع الإدارة المصرية في أيدي المصريين، ولكن أصلها لم يكن في أيديهم فكيف اعتلت؟
وماذا كان يعجز الإدارة عن تقويم الاعوجاج الدائم الذي أصيبت به قناة الأمن العام؟ لو أن إنسانا نشر بين يديه تاريخ الإدارة في ثلث القرن الأخير لرأى أداة العجز، فهنالك أوامر مقرونة بأن تطاع طاعة وحي السماء، تصدر عن آمر يرى أنه معصوم في مثل هذا البلد، فلا يقبل إرشادا ولا يسمع تعليما.
حتى إذا شرعت فروع الإدارة في تنفيذها عافتها نفوس الناس؛ لأنها مقطوعة النسب بعاداتهم وأخلاقهم ومشاربهم وقوميتهم، وإذ ذاك تضطرب تلك القناة التي يراد تقويمها في أيدي الموظفين المصريين، وما أسهل أن يقال إن هؤلاء الموظفين عجزة قليلو الخبرة، تعوزهم الوصاية ويفتقرون إلى الإرشاد الطويل. ثم يتلو هذه الشهادة المقلوبة أن يخلو ذلك الآمر بنفسه قليلا وما هي إلا أن يخرج بأمر جديد ينسخ الأمر القديم، وهكذا تتكرر هذه التجارب بل لا تزال إلى الآن، أما إثمها فعلى الموظفين المصريين وأما خيرها المزعوم فلغيرهم، وإذا ذكرت بعد ذلك قيل إنها تجارب صحيحة ولكن البلاد لم تتهيأ لها بعد!
قال اللورد كرومر في تقريره سنة 1905 وهو يصف طريقة انتخاب الموظفين الإنكليز للمناصب المصرية: «يجب أن يكون عمر الطالب عند تقديم طلبه بين 21 و25 سنة»، وأكثر هؤلاء إنما كانوا يتولون مناصب الإدارة، وأكثرهم لم يكن يخطئه الحظ فيقبض بيده على منصب من مناصب التفتيش، هؤلاء الشبان هم الذين قال عنهم اللورد كرومر أيضا إن بجانب كل مدير في الأقاليم مفتشا إنكليزيا يساعده، وهم الذين قال عنهم: إن طلبهم وظائف الحكومة المصرية عظيم حتى بلغوا سنة (1905): 220 طالبا بينما كانت الوظائف الخالية 14 وظيفة، ولا تدل شهادة الواقع على أن مديري الأقاليم أهل الخبرة والتجربة، وأبناء البلاد العارفين بأخلاقهما وعاداتها وما يصلح لها وما لا يصلح، لا تدل شهادة الواقع على أن مديري الأقاليم الممتازين بهذه الصفات كانوا يبرمون أو ينقضون أمام الإرادة التي يكتنفها نزق الشباب في ابن الحادية والعشرين أو الخامسة والعشرين، فلو أن الإدارة المصرية صلحت بعد ذلك لكان صلاحها رمية من غير رام، أو كان إحدى خوارق العادات!
كانت هذه علة الإدارة، ولا تؤدي هذه العلة إلى غير نتيجتها الطبيعية وهي خلل كل شيء يرجع إليها ولا سيما الأمن العام، فإذا أضيف إلى العلة الإدارية علة حرمان الأمة من التعليم والتهذيب كملت أسباب الخلل وكان أمرا واجب الوقوع.
Halaman tidak diketahui