Mesir Pada Awal Abad Kesembilan Belas 1801–1811 (Bahagian Pertama)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genre-genre
وفي تلك الليلة (17 مايو 1810) خرج جميع من كان بالقاهرة من البكوات والمماليك وهجنهم ومتاعهم، وعدوا إلى بر الجيزة، ولم يبق منهم إلا القليل، واجتمعوا مع بعضهم، وقسموا الأمر بينهم ثلاثة أقسام: قسم للمرادية وكبيرهم شاهين بك الألفي، وقسم للمحمدية وكبيرهم علي بك أيوب، وقسم للإبراهيمية وكبيرهم عثمان بك حسن، وكتبوا مكاتبات وأرسلوها إلى مشايخ العربان.
وتجمعت نذر الحرب.
فأوقف الجند على أبواب القاهرة منذ 19 مايو يمنعون الخارجين من البلد حتى الخدم، ثم منعوا التعدية إلى البر الغربي، وجمعوا المراكب والمعادي إلى البر الشرقي، ونقلوا البضائع إلى مراكب التجار المعدة لسفر رشيد ودمياط، المعروفة بالرواحل، وأخذوها إليهم، وشرع الجند في التعدية طوال يومي 19، 20 مايو، وعدى الباشا آخر النهار ودخل إلى قصر الجيزة الذي كان به شاهين بك واتخذه مقرا لقيادته العامة، وكذلك عدوا بالخيام والمدافع والعربان والأثقال، واجتمعت طوائف العسكر من الأتراك والأرنئود والدلاة والسجمان (أو السكبان: نوع من الفرق العسكرية يقصد به على عهد الإنكشارية الفرق التي تتألف من القرويين وقت التجنيد العام) بالجيزة، وتحققت المفاقمة، والأمراء المصرية خلف السور في مقابلتهم، واستمروا على ذلك إلى ثاني يوم (21 مايو) والناس متوقعون حصول الحرب بين الفريقين، ولم يحصل، وانتقل المصرية وترفعوا إلى قبلي الجيزة بناحية دهشور وزنين. وفي يومي 22 و23 مايو دفع محمد علي للجند مرتباتهم المتأخرة وأنفق عليهم وكان لهم مدة شهور لم ينفق عليهم. وفي اليوم الأخير خرج ليلا إلى ناحية كرداسة ليمنع بعض العربان الذين بلغه أنهم يريدون اللحاق بالبكوات، من الذهاب إليهم، ولكنه لم يعثر بأحد، فقفل راجعا (24 مايو). وفي 27 مايو ارتحل المصرية وترفعوا إلى ناحية جزر الهوى بالقرب من الرقق، وفي اليوم التالي عدى الباشا إلى بر مصر وذهب إلى بيته بالأزبكية، فبات ليلتين به، ثم طلع (يوم 30 مايو) إلى القلعة. ويعلق الشيخ الجبرتي على ما حصل بقوله: إن الباشا قد تكدر طبعه من هذه الحادثة بعد أن حصلوا؛ أي حضر البكوات إلى الجيزة، وكاد يتم قصده فيهم، وخصوصا ما فعله شاهين بك الذي أنفق عليه ألوفا من الأموال ذهبت جميعها في الفارغ البطال.
غير أن عدم وقوع الحرب آنئذ لم يكن معناه أن الباشا سوف يترك البكوات وشأنهم، فقد كتب «دروفتي» منذ 19 مايو: «أن البكوات على ما يبدو له يريدون الالتحام مع الباشا في معركة فاصلة، ولكن الخوض معهم في معركة من هذا القبيل لا تجيزه مصلحة محمد علي نفسه؛ لأن فرسان المماليك ولو كانوا أقل عددا من فرسانه، إلا أنهم قوة مرعبة ولا شك إذا أتيح لهم الاشتباك في معركة تدور رحاها في ميدان منبسط؛ ولذلك يعمل الباشا على كسب الوقت حتى مجيء الفيضان الذي سوف يرغم البكوات على ترك السهل»، فتضيع ميزة فرسانهم، وعندئذ تشتعل الحرب بين الفريقين، وأما الوسيلة التي سوف يلجأ إليها الباشا لكسب الوقت فهي استئناف المفاوضة معهم من جديد على أساس شروط تكون أكثر ملاءمة لهم، بغية تفرقهم ونشر الانقسامات بينهم وإنهاء تكتلهم ضده.
بيد أن الباشا وإن انتظر فيضان النيل قبل الالتحام مع البكوات في معركة حاسمة، فقد شرع من فوره يتهيأ لقتالهم، وأنفذ فعلا لمطاردتهم حسن باشا، فكان في ذلك بداية تلك الحملة الكبيرة التي انتهت بإنزال الهزيمة الساحقة بالمماليك وتشتيت شملهم في معركتي اللاهون والبهنسا. (8) حملة 1810
ولقد كانت الصعوبات آنئذ تكتنف موقف محمد علي من كل جانب، فهو قد آلمه وحز في نفسه أن ينكث البكوات بعهودهم، وأن يخونه شاهين بك الألفي؛ لأن تلك كانت المرة الأولى التي صار يواجه فيها المماليك وقد اتحدت قواتهم، وصاروا يطيعون أوامر قيادة عسكرية واحدة، الأمر الذي أشاع كذلك التردد في صفوف الأهلين إلى جانب إزعاجه لجنده، فصار الفلاحون وأهل المدن في المناطق التي سادت فيها الفوضى خصوصا بسبب العمليات العسكرية يتوقعون حدوث تغيير كبير عاجل في الموقف، فامتنعوا عن دفع الميري والضرائب الأخرى.
وقد نقض المماليك العهد في وقت كان الباشا يرجو فيه الوصول إلى اتفاق معهم يمكنه بفضل دفعهم الميري والغلال من تجهيز الحملة المنتظرة، والتي يلح الباب العالي في ضرورة خروجها إلى الحجاز سريعا لحرب الوهابيين، ثم إرضاء الباب العالي بإرسال بعض الغلال التي كانت القسطنطينية في حاجة شديدة إليها وقتئذ، ويلح الباب العالي في إرسالها ولا يستطيع الباشا مرغما إرسال شيء من ذلك إلى القسطنطينية؛ لأن القاهرة ذاتها كانت تنقصها المؤن؛ لأن استكفاء القاهرة أولا كان لا مناص منه، كما ذكر «سانت مارسيل» لحكومته في 20 يونيو (1810)، والأمر المفضل على كل اعتبار آخر، زد على ذلك أن محمد علي ما كان يطمئن إلى خروج جيشه إلى الحجاز قبل أن يتم الاتفاق مع المماليك ويرضى هؤلاء بالحضور إلى القاهرة حتى يتمكن من مراقبتهم.
وفي يونيو 1810 كتب الباشا للباب العالي يعتذر عن تأخره في إنفاذ الجيش المطلوب إلى الحجاز، وحاول في الوقت نفسه أن يبرر مسلكه مع البكوات ومسعاه في مصالحتهم، وهو الذي يعلم مقدار بغض الباب العالي لهم ورغبته في التخلص منهم والقضاء عليهم، فاستند في تبرير ذلك إلى ما وصل إليه البكوات من مذلة وهوان، وما تحملوه من تعب ومشقة من زمن طويل جعله يشفق عليهم، حتى أسكنهم قصرا بالجيزة وضمن لهم سبل الراحة والعيش في رفاهية لا يطلب منهم سوى دفع الميري والغلال، ومرافقة فرسانهم لفرسان جيشه الذاهب إلى الحجاز، ولكنهم ما لبثوا أن غدروا وخانوا العهد، ففروا من الجيزة، وصار لزاما عليه الآن أن يدفع غوائلهم، ولكن الباب العالي الذي لم يدهشه غدر البكوات ونقضهم لعهودهم؛ لأن هؤلاء - كما كتب سليم ثابت قبو كتخدا محمد علي في الآستانة في 28 يونيو - معلوم أنهم قوم خونة لم ينالوا رضاء الدولة العلية من زمن قديم، عاد فأصر على خروج الجيش إلى الحجاز؛ لأنه لا ينبغي أن تتأخر مسألة تخليص الحرمين الشريفين بدعوى دفع غائلة البكوات المماليك، فكان لا مفر حينئذ من مناجزتهم.
ولم يجد محمد علي من الحكمة أن يشتبك في معركة فاصلة مع المماليك للانتهاء من أمرهم سريعا قبل أن يصله فرسان الدلاة الذين بعث يطلبهم من الشام لتعزيز جيشه عقب انفصال شاهين بك الألفي والمماليك الذين أقاموا بالقاهرة، ثم إن البكوات عندما شاهدوا محمد علي ينقل جنوده إلى الجيزة ويجعل هذه مقر قيادته، اعتقدوا أن النصر لا بد من نصيبهم؛ لأن خطتهم كانت استدراج الباشا وجيشه للالتحام معهم في معركة ميدانها الأرض المنبسطة المغطاة بالرمال والمكشوفة حول الجيزة أو في جزء آخر من شاطئ النهر قريب منها، فيكفل لهم تفوق فرسانهم الانتصار في المعركة، ولكن هذا الاعتبار ذاته جعل محمد علي يمتنع عن الالتحام معهم، حتى انسحب البكوات يوم 27 مايو من دهشور وزنين، ثم بعث بحسن باشا لمطاردتهم، وآثر التريث قبل الالتحام الجدي معهم حتى ترتفع مياه النهر، وكان للفيضان أهمية كبيرة في نظره؛ لأن الفيضان سوف يرغم البكوات على الانسحاب من مراكزهم الأمامية والابتعاد صوب الصعيد، ثم إن الفيضان يمكن الباشا من اتقاء شر المماليك، إذا حدث أن لحقت به الهزيمة في المعركة المقبلة، فيصبح النهر الممتلئ بمياه الفيضان بمثابة الحاجز الذي يحول دون مطاردة فرسان المماليك لجيشه، فكان هذا التريث مبعث ما صار الباشا يعرضه على البكوات من شروط للصلح جديدة كانت أكثر موافقة لمصالحهم، شفعها بتهديده، إذا رفضوها، بقتالهم في معركة كبيرة، وقصد الباشا كسب الوقت حتى تصله نجدات الدلاة، وحتى يبدأ فيضان النيل من جهة، وحتى يشيع الفرقة والانقسام في صفوف البكوات من جهة أخرى؛ ولذلك فقد كانت «حملة 1810» عسكرية وسياسية في وقت واحد.
وانحصرت خطة الحملة العسكرية، في محاولة تجميع حشود البكوات المماليك في مكان واحد للاشتباك معهم في معركة تكون الفاصلة، وذلك بأن يزحف قسم من جيش محمد علي على الصعيد للاستيلاء على المواقع الهامة، وإجلاء البكوات وقواتهم عنها، وإرغامهم على الارتداد والانسحاب إلى الشمال للانضمام إلى سائر إخوانهم، بينما يشغل قسم الجيش الآخر جماعة إبراهيم وشاهين الألفي، فلا يذهبون لنجدة البكوات والمماليك الذين هم ببني سويف أو الأقاليم التي تليها في أعلى الصعيد، فإذا انحصر البكوات عند حدود الصعيد في بني سويف أو الفيوم، وقطع الباشا عليهم خط رجعتهم إلى الجنوب، شن عليهم هجوما كبيرا، في وقت تكون قد أخذت ترتفع فيه مياه النيل، فيتعذر عليهم إذا انهزموا الفرار، أو جمع شملهم من جديد، ولا يستطيعون إذا حلت الهزيمة بالباشا نفسه مطاردته.
Halaman tidak diketahui