270

Mesir Pada Awal Abad Kesembilan Belas 1801–1811 (Bahagian Pertama)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Genre-genre

ولم تلق هذه المعاذير قبولا لدى الباب العالي، فأوفد إلى مصر عبد الكريم آغا، من أغوات القصر السلطاني ومعه خطوط شريفة، وعطايا ملوكية، يستحث محمد علي على إنفاذ جيشه إلى الحجاز، ويبين للباشا مدى حاجة الباب العالي إلى سند مفيد يأخذ على عاتقه تصفية مسألة الحرمين الشريفين، التي فوض محمد علي باستخلاصها من يد الوهابي، ولإبلاغه تعهد السلطان بإجابة كل ما يسأله محمد علي في هذا الشأن. فبادر الباشا بالكتابة إلى القسطنطينية في 10 مارس 1808، يظهر خضوعه وولاءه للسلطان العثماني، ويعتذر في الوقت نفسه عن عجزه عن تلبية رغبته.

وكان من المعاذير التي انتحلها الباشا في هذه المرة، أنه وإن كان قد نجح في جعل نصف طائفة المماليك يدخلون في ذلك حذو الجماعة الأولى، فالواجب يقتضيه متابعة السعي في دفع غوائلهم وشرورهم بالقوة القريبة من الحكمة والتعقل؛ حتى ينبسط ظل الدولة على إقليم الصعيد، ثم إنه لم يستطع حتى الآن سداد ديونه.

ثم استند محمد علي في عبث محاولة القضاء على الوهابيين، بالاعتماد على جيشه هو فحسب، إلى أن هؤلاء قد استولوا على الحجاز من عشرين سنة خلت ، وتزايد استقرارهم به سنة بعد أخرى، وتسنى لهم ضبط شئونه ودعم سلطانهم به، حتى صار لا يكفي لدفع هذا الشر والأذى، أن يزحف محمد علي بجيشه من مصر فحسب، إلى مكة والمدينة، بل تحتم أن تخرج كذلك الجيوش من الشام وعكا وبغداد، فإذا أمكن تدبير زحف من مصر ومن هذه الجهات، في وقت واحد على مكة والمدينة، وقام الجميع بحملة واحدة، يتخابر رؤساء هذه الجيوش مع بعضهم بعضا، لأمكن تنظيم المصلحة بصورة تكفل إنجازها بسهولة وتحقيق الثمرة المرجوة منها، وقد وصل محمد علي إلى هذا الرأي بعد إمعان النظر، وفي يقينه أن الأخذ به لا يفضي إلى هلاك الخارجي المذكور وإزالة كل أثر له من مكة والمدينة فحسب، بل واقتلاع جذوره كذلك من موطنه الأصلي.

على أن الباشا الذي كان لا يرى من صالحه إنفاذ جيشه إلى الحجاز وقتئذ، وخشي أن يأخذ الباب العالي برأيه هذا الذي ذكره، لم يلبث أن استدرك، معتذرا عن عدم إمكانه إرسال جنده، بأنه طالما بقيت الحرب دائرة الرحى بين الباب العالي والدول ولم ينعقد الصلح، فإن مصر سوف تظل موضع أطماع هذه الدول الأجنبية، ولا يكفي ما لدى محمد علي من الجند للذود عن مصر وللزحف بجيش عظيم على الحجاز معا وفي آن واحد.

وعلى ذلك، فقد اقترح محمد علي على الباب العالي حلا لهذه المشكلة كان من الواضح أن هذا الأخير يعجز عن اتخاذ أية خطوة بصددها، هو أن يتفضل الباب العالي بإصدار أمر عال يؤمن به الباشا على أن الدول الأجنبية لن تتسلط في هذا الباب؛ أي لا تغير على مصر، حتى إذا صدر هذا التعهد من جانب الديوان العثماني اطمأن بال محمد علي.

ولم يشأ محمد علي ، حتى إذا تمكن الباب العالي من إجابة هذه الرغبة، إلا أن يعجل تلبيته لأوامر الديوان العثماني مشروطة بشروط، أهمها: أن يمده الباب العالي نفسه بما يحتاج هو إليه لإنجاز استعداداته، وانعقاد الصلح بين تركيا والدول، ثم قال: «إنه من الجلي الواضح أن سبب تأخره عن الخروج إلى الحجاز، ليس سوى تلك الديون التي استدانها من أجل تحصين الإسكندرية، منعا لتسلط الدول المسيحية على قلعة هي بمثابة المفتاح لإقليم الحرمين الشريفين، فإذا انعقد الصلح، وبعث الباب العالي إليه بالأشياء التي هو في حاجة إليها لإعداد الحملة المطلوبة، فإنه سوف يزحف على الحجاز في السنة القابلة بنفسه وعلى رأس جيشه، ويبذل قصارى جهده، بل ويجاهد جهاد المستميت قولا وفعلا، وقلبا وقالبا، من أجل القضاء على العدو وإفنائه بعون الله تعالى.»

وقد أرفق محمد علي برسالته هذه قائمة بالأشياء التي يريدها من الباب العالي، ومن هذه أقمشة من الجوخ، لارتفاع ثمنها في مصر، بل وانعدام وجودها تقريبا، بسبب الحرب القائمة، مع أنه في حاجة إلى أقمشة منها تكفي للباس عشرة آلاف جندي، نصفهم من الفرسان، علاوة على النفقات الأخرى التي يقتضيها تجهيز هؤلاء إلى جانب ما يربو على الثلاثين ألف شخص من الموظفين، والسياس والحمالين والطباخين والسعاة، أضف إلى هذا نفقات ستة آلاف جمل لنقل المؤن والأغذية والعتاد، ثم إن الباشا طالب بأثمان 200000 إردب من الغلال لغذاء الجند مدة ستة شهور، و400000 إردب لسنة كاملة، عدا نفقات الهجن والإبل التي تحمل هذه إلى ميناءي القصير والسويس، ونفقات الشحن كذلك إلى ينبع وجدة، علاوة على المال اللازم لشراء الهدايا وإعطاء المنح والعطايا لأغوات الداخل والخارج وسائر رجال الحكومة، ولصرف علوفات العسكر ومعيناتهم على حساب مائة وخمسين ألف خرج، ثم ما يلزم من مال لعمارة خمس قلاع لوضع الذخائر بها، والمراد إرسالها من مصر إلى الحجاز، ثم الصرر والعطايا التي جرت العادة على إعطائها لطوائف العربان، وذلك إلى جانب ما يتطلبه البذل لهم لاستمالتهم وكسب صداقتهم. وقد قدر محمد علي المبالغ اللازمة، والتي طلبها من الباب العالي في هذه القائمة مبلغ يتراوح بين خمسة وثلاثين ألف كيس نقدا وأربعين ألفا، ولا شك في أنها - كما قال - سوف تنفق لصالح الدين والدولة، ويؤدي إنفاقها إلى نجاح هذه المصلحة الخيرية، ولم يفت الباشا أن يذكر في ذيل هذه القائمة أن الأقاليم المصرية قد بقيت شراقي بسبب قلة الماء في هذه السنة المباركة.

وحتى يجيب الباب العالي هذه المطالب التي تنحصر في أمرين هامين، من وجهة نظر محمد علي: تكليف ولاة العراق والشام وصيدا أو عكا بإنفاذ جيوشهم في وقت واحد مع الجيش الخارج من مصر لقتال الوهابيين، ثم إرسال الإمدادات من المال والمهمات إلى محمد علي، حسب القائمة السالفة الذكر؛ حرص محمد علي على التمسك بالغيرة والحماس لمشروع الحرب الوهابية، ولو أنه راح يردد نفس المعاذير التي ذكرها سابقا، والتي أخرت خروجه إلى الحجاز، ويشير على الديوان العثماني بضرورة العمل بالخطة التي ذكرها، من حيث زحف الجيوش العثمانية من مختلف ولايات الدولة المتاخمة لبلاد العرب، للإطباق على الوهابي من كل جانب.

وأراد الباشا أن يستوثق من موقف شريف مكة، غالب بن مساعد، فكتب إليه حتى يعلم ما إذا كان غالب مع الدولة أم مع الخارجي، ثم أبلغه محمد علي أن مأمورية الحجاز قد أسندت إليه، وأنه يستعد للخروج إلى الحجاز، وسأله إذا كان يرغب في إرسال أحد كبار الأمراء من لدنه أو رئيسا من قواد الجند لمرافقة الحملة المزمعة، ولكن غالبا لم يجب بشيء على كتاب محمد علي، ثم إنه تبين للباشا أن الشريف غالبا، وسعود بن عبد العزيز، عندما علما بأنه يهيئ جيشا كبيرا يعتزم إرساله بطريق السويس إلى الحجاز، بادرا بالاتفاق والاتحاد صورة ومعنى، حتى إنهما أنفذا ثلاثمائة مقاتل من المغاربة والعربان ومدافع وذخيرة، ونحو ألف ومائتي فارس إلى قلعة المويلح (القريبة من الأراضي المصرية) واستولوا عليها. ثم إنه نمى إلى الباشا مما صار يرويه الحاضرون من يافا وغزة، أن سعود بن عبد العزيز بالاتفاق مع غالب بن مساعد قد أنفذا عثمان المضايفي، بجيش من العربان كبير للزحف على الشام، وأن الشريف قد بعث يكتب إلى العربان في جهتي غزة والخليل لجذب قلوبهم، وكان عثمان بن عبد الرحمن المضايفي من وزراء الشريف غالب، اختلف معه في الرأي، فطرده الشريف من مكة، وانحاز المضايفي إلى السعوديين، ودخل مكة مع سعود في عام 1803، ثم إنه لما تصالح سعود وغالب، ثم اتحدا لدفع الخطر المتوقع أنفذا المضايفي إلى المويلح، ولو أن هذا الصلح لم يكن مبعثه خلوص النية من جانب الشريف الذي ظل يسعى لإخراج الوهابيين من الحجاز، ومع ذلك، فقد أثمر اتحادهما المؤقت ثمرته المرجوة.

وبادر محمد علي بإبلاغ الباب العالي ما وقف عليه من أخبار، ثم إنه اتخذ من استيلاء المضايفي على قلعة المويلح سببا لبيان وجه الصعوبة في إرسال الجند بحرا من جهة السويس لوجود قوات الوهابيين بموقع المويلح الذي يقطع الطريق على الجند عند خروجهم من بحر السويس إلى بحر القلزم، وكتب إلى الباب العالي في 18 يونيو 1808، أنه يستحيل لهذا السبب خروج الجيش الذي يعده إلى الحجاز، وأن نجاح هذه المهمة - مهمة استخلاص الحرمين الشريفين من الوهابي - متوقف على الزحف بجيوش عظيمة في آن واحد من جانب كل من مصر والشام وبغداد (أو العراق) برا وبحرا في حركة متسقة.

Halaman tidak diketahui