240

Mesir Pada Awal Abad Kesembilan Belas 1801–1811 (Bahagian Pertama)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Genre-genre

فكانتا تقريبا بالحال التي تركهما عليها الفرنسيون، فاعتمد محمد علي على هذه المنشآت في تجديد تحصين الإسكندرية. وفي أوائل 1811 كان قد تم بناء ثلث الأسوار تقريبا، وتوقع كثيرون أن يفرغ الباشا من إقامة الباقي منها بعد حوالي عامين، واعتزم محمد علي وقتئذ بناء طابية بالقرب من سرايه التي يبنيها في المكان المعروف برأس التين. ثم إن الباشا اهتم بتحصين رشيد عند زيارته لها وهو في طريقه إلى القاهرة، كما شرع يعزز حاميات دمياط ورشيد والبرلس وأبي قير، حتى صارت هذه جميعها تذخر بالجنود الأرنئود، ثم إنه حشد الجند بدمنهور لنقلهم فورا إلى الإسكندرية إذا طرأ طارئ مفاجئ يتطلب ذلك، وهذا علاوة على إرسال حوالي المائتين أو الثلاثمائة جندي من الأرنئود إلى الإسكندرية في فبراير 1808، بينما كان قد تم في هذا الشهر نفسه تقوية حصونها بصورة تمكنها من الدفاع عن المدينة. واستمرت الاستعدادات والترميمات على قدم وساق كما لو كان العدو على وشك الظهور أمامها، كما عني محمد علي بتموينها وتوفير المواد الغذائية لها.

ولم يكن غرض الباشا من هذه الاستعدادات، التهيؤ لصد الغزو الفرنسي فحسب، بل والحيطة والحذر كذلك من جانب الإنجليز أنفسهم، ثم توزيع الجند الأرنئود الذين ظهر تمردهم على سلطانه - في ظروف سوف يأتي ذكرها - في المواقع البعيدة عن القاهرة من جهة، والتي كانت من جهة أخرى مراكز الدفاع الأمامية عن البلاد إذا تعرضت هذه للغزو، ثم إنه كان هناك سبب آخر، أوضحه «سانت مارسيل» في رسالة 21 فبراير التي تقدم ذكرها، هو أن اتخاذ الباشا لهذه الإجراءات الدفاعية ذاتها كان يفيد مأربا آخر له هو «كسب ثقة الباب العالي، الذي وجب على الباشا استرضاؤه، بالرغم من السيطرة التي يتمتع بها؛ حيث يؤكدون أن الديوان العثماني قد أبلغ الباشا في كتبه الأخيرة إليه نبأ المحالفة التي تشكلت من أكثر الدول في أوروبا ضد هذه الأمة لتحقيق أطماعها منها بالغدر بها»؛ ولذلك فإن التهيؤ للدفاع عن البلاد، من شأنه أن يطمئن الباب العالي على خضوع باشا مصر له وحرصه على تلبية رغباته.

ومع أن الإنجليز لم يستطيعوا إغراء محمد علي بإعطائهم الإسكندرية، فإن هذا الفشل لم يعكر صفو العلاقات بينهم وبينه، بل ظل من صالحهم أن تتوطد هذه العلاقات الودية، لسبب آخر هام، هو أخذهم الغلال من الإسكندرية، وجلب بضائعهم إليها لتصريفها في السوق المصرية، فلم يحدث ما توقعه «سانت مارسيل» من نتائج مترتبة على رفض الباشا التنازل عن الإسكندرية للإنجليز، بل ظلت الملاحة حرة، لا بين الإسكندرية ورشيد فحسب، بل وكذلك بين الإسكندرية وطائفة من المواني العثمانية، وذلك بالرغم من وجود بعض قطع الأسطول الإنجليزي لمراقبة الملاحة في حوض البحر الأبيض الشرقي، وتضييق الحصار على السواحل العثمانية، فجلبت السفن إلى الإسكندرية متاجر ومنتجات أساكل الليفانت، ولم تكن السفن الإنجليزية أو العثمانية هي وحدها التي استطاعت الدخول إلى ميناء الإسكندرية أو الخروج بأمان منها، فقد دخلت هذا الميناء في أوائل أكتوبر 1808، أربع سفن من مرسيليا، وواحدة من جنوة، محملة جميعها بالمتاجر والأقمشة، خصوصا من فرنسا.

واعتمد الإنجليز في نقل متاجرهم من مالطة إلى مصر على السفن النمساوية؛ إذ تعذر عليهم وهم لا يزالون في حرب مع الباب العالي أن يستخدموا سفنهم في نقل هذه المتاجر، واستاء الوكلاء الفرنسيون من هذا النشاط، وراحوا يحتجون لدى محمد علي على إجازته التعامل مع العدو، وبذلوا كل ما في وسعهم من جهد وحيلة لمنع دخول البضائع الإنجليزية التي تحملها السفن النمساوية إلى الإسكندرية ولكن دون طائل، حتى إن «دروفتي » راح يشكو من مسلك محمد علي إلى «سباستياني» السفير الفرنسي بالقسطنطينية في 30 مايو، ثم في 24 يوليو، ويذكر له عبث المساعي التي قام بها لإبطال دخول السفن النمساوية المحملة بالمتاجر الإنجليزية من مالطة إلى الإسكندرية، ويندد بموقف محمد علي في هذه المسألة، «وهو الذي - كما قال «دروفتي» - يستمع إلى نصح أولئك الذين يتأثرون بأقوال العدو وما لديه من وسائل (يستخدمها في إغرائهم) أكثر من تأثرهم بمظاهر قوتنا». وأشار «دروفتي» على السفير الفرنسي، بضرورة المسعى لدى الباب العالي، حتى يصدر هذا إلى الباشا «أوامر قاطعة، تحرره من الآراء الخاطئة والكاذبة التي يوحي بها إليه أناس من طراز «بتروتشي» وأضرابه»؛ وهي آراء سوف يبقى متأثرا بها، طالما بقي هؤلاء في مصر، وطالما لم تأته من حكومته هذه الأوامر القاطعة.

على أن الموقف لم يلبث بعد ذلك أن تبدل، عندما عقد الإنجليز الصلح أخيرا مع الباب العالي، ودخلت سفنهم وتحت أعلامهم ميناء الإسكندرية بحرية، وتزايد نشاط علاقاتهم التجارية مع الباشا، وصاروا يستوردون من هذه البلاد كل حاجتهم من الغلال، وكل ما استطاع الباشا أن يبيعه منها إليهم، وكان توثق هذه العلاقات التجارية معهم من العوامل التي حفزت الباشا على مفاتحتهم من جديد في مشروع ذلك «الاستقلال» الذي حدثهم عنه أثناء مفاوضات الجلاء عن الإسكندرية.

فقد بدأت الشكوك تساور العثمانيين من ناحية فرنسا، منذ أن قطعوا مفاوضتهم مع «باجيت» في الظروف التي عرفناها؛ وذلك لأنهم وإن رجحوا تعذر الاتفاق بين نابليون والقيصر إسكندر الأول على خطة موحدة بشأن تقسيم إمبراطوريتهم العثمانية، فقد تبين لهم تعذر الركون كذلك إلى صداقة الإمبراطور الفرنسي، في وقت عجز فيه سفيره في القسطنطينية «سباستياني» عن التأكيد لهم قطعا بحسن نوايا نابليون نحو الدولة العثمانية، وبدا لهم أنهم لن يستطيعوا عقد الصلح مع روسيا إلا لقاء تسليمهم بخروج الأفلاق والبغدان من حوزتهم، ولن تفيد صداقة فرنسا شيئا في منع هذه الكارثة، بل إن تهديد نابليون بالانتقام من علي باشا حاكم يانينا، إذا ظل مناوئا له - وكان هذا قد بسط سلطانه في ألبانيا - لم يلبث أن أعاد إلى ذهن الباب العالي قصة اعتداء الفرنسيين على مصر وغزوهم لها بقيادة نابليون بونابرت في عام 1798. وعلى ذلك فقد فضل العثمانيون الآن المفاوضة رأسا مع الروس، ودون وساطة فرنسا، ثم استئناف المفاوضة مع إنجلترة، ومع أن هذا التبدل في سياسة الأتراك لم ينه الحرب القائمة بينهم وبين الروس، فاستمر العداء حتى عقد الصلح بين تركيا وروسيا في معاهدة بوخارست بعد ذلك بأربعة أعوام تقريبا، في مايو سنة 1812، فقد ساعد هذا التبدل من ناحية أخرى على الوصول إلى نتيجة سريعة مع الإنجليز أنفسهم، ذلك أنه ما كاد مبعوثهم الجديد «السير روبرت أدير»

Adair

يصل إلى تينيدوس في سبتمبر 1808، حتى بدأت المفاوضات بينه وبين الأتراك، وأسفرت هذه عن عقد معاهدة الدردنيل في 5 يناير 1809، ونصت إحدى مواد هذه المعاهدة على تمتع رعايا كل من الدولتين بنفس الامتيازات التي لهؤلاء في ممتلكات كل منهما، ومعنى ذلك استعادة الرعايا البريطانيين نشاطهم السابق في مصر التي هي من أملاك الدولة العثمانية. وفي نفس التاريخ أبرمت تركيا معاهدة تحالف ودفاع مع إنجلترة.

وكان لحادث الصلح بين إنجلترة والباب العالي آثار هامة في مصر، من حيث توقع زيادة نشاط العلاقات التجارية، خصوصا بين الباشا والإنجليز، ثم الخوف من أن تسوء العلاقات بين الباب العالي وفرنسا بدرجة تفضي إلى فصمها، ومن حيث تعمد الباشا الانتفاع من هذا الموقف الجديد بما يضمن له صون مصالحه، وتحقيق مآربه، إذا عرف كيف يسلك الطريق السوي في صلاته مع الوكلاء الإنجليز والفرنسيين جميعا.

فقد كان أول حامل لنبأ هذا الصلح إلى مصر، إبريق إنجليزي من أسطول «كولنجوود»، في البحر الأبيض، وصل الإسكندرية في منتصف مارس 1809، فأذيع الخبر، ونزل ربانه إلى المدينة، وقابل حاكمها طبوز أوغلي ، ولقي ترحيبا كبيرا، وأحضر معه رسائل من حكومته، ولم يغادر هذا الإبريق الإسكندرية، حتى تسلم الربان جواب الباشا على رسائل هذه الحكومة.

Halaman tidak diketahui