Mesir Pada Awal Abad Kesembilan Belas 1801–1811 (Bahagian Pertama)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genre-genre
ولم أسمع من البكوات منذ بعض الوقت، ولكنني أعرف أن إبراهيم بك وجماعته لا يزالون بالقرب من المنيا، وأن شاهين بك الألفي في مكان غير بعيد من بني سويف، ويدعي الباشا وأنصاره أن معاهدة صلح وسلام قد أبرمت بين الباشا والمماليك، ولكنه يبدو أن لا أساس إطلاقا لهذا الزعم، فلو أن معاهدة قد عقدت فعلا بين الفريقين، لكان خبرها قد أذيع وعرفه الناس قاطبة، ولأقيمت المهرجانات احتفالا بهذه المناسبة، ولأجيز الاتصال والتعامل بحرية بين القاهرة والصعيد، وذلك كله ما أعرف يقينا أنه لم يحدث.
وقد بعث «مسيت» طي رسالته هذه إلى «كاسلريه» بصورة من كتابيه السابقين إلى «فريزر» بتاريخ 8 مايو، وإلى «أيري» بتاريخ 11 مايو، وفي الأول يذكر حضور النجدات إلى محمد علي من الشام وقبرص ونزولها بدمياط، ويطلب وضع سفينة مسلحة عند هذا الميناء الأخير لمنع نزول هذه النجدات بها، وقد سبقت الإشارة إلى هذا الكتاب، وفي الثاني ينقد «مسيت» تصرف القيادة في نقل بعض المؤن كالتمر والشعير والعتاد من مختلف الأنواع إلى السفن في ميناء الإسكندرية، ثم جواب أحد كبار الضباط على مستفسر من الإسكندريين عن سبب هذا بضرورة اتخاذ هذا الإجراء استعدادا للطوارئ، مما سبب ذعر الأهلين، وكان بيت القصيد من إرسال صورة هذا الكتاب إلى «كاسلريه» ما سطره «مسيت» في ختام كتابه هذا، وهو أن تقرير أن الجيش على وشك الإبحار من الإسكندرية، سوف يشجع - دون شك - أعداءنا، ويوهن من عزائم أصدقائنا، إذا تبقى لنا أصدقاء فعلا؛ ولذلك يجب - في رأيي - فعل شيء لإزالة أية فكرة عن أن في عزمنا إخلاء الإسكندرية.
تلك إذن كانت محاولة «مسيت» لإحباط مفاوضات محمد علي، ولإقناع حكومته بضرورة عدم إخلاء الإسكندرية، والمضي في سياستها التقليدية من حيث مناصرة البكوات المماليك، وعدم استبدال المحالفة مع محمد علي بالمحالفة معهم.
على أن الذي يسترعي النظر من كل هذه التفصيلات التي جاءت في رسائل «فريزر» و«مسيت» إلى كل من الجنرال «فوكس» والوزيرين «وندهام» و«كاسلريه» بشأن مفاوضات جس النبض الأخيرة بين «فريزر» وترجمان الباشا - الذي صحبه «ديلانسي»، ولو أن هذا الأخير اقتصرت مهمته - كما يبدو - على الإفاضة في وصف حسن المعاملة التي يلقاها الأسرى الإنجليز على يد محمد علي والإشادة بما يظهره الباشا من عواطف طيبة نحو الإنجليز، ورغبة صادقة في الاتفاق معهم إلى جانب التصديق على صحة القائمة التي أرسلها محمد علي بأسماء الأسرى الإنجليز في القاهرة، نقول: إن الذي يسترعي النظر من هذه التفصيلات رغبة محمد علي في عقد محالفة مع الإنجليز ضد أعدائه وأعدائهم المشتركين إلى جانب جلاء الإنجليز عن الإسكندرية ودخول هذه في حوزته، ويكشف هذان المطلبان على مدى ما بلغه تطور تفكير محمد علي من الناحية السياسية في هذه المرحلة، ووضع الأسس التي استند عليها برنامج نشاطه السياسي وقتئذ، من حيث العمل لضمان استقراره في الحكم والولاية وإزالة أخطر العقبات التي تعترض هذا الاستقرار، والتي كان مبعثها عدم الاطمئنان إلى موقف الباب العالي منه ومناصبة البكوات المماليك العداء له، ولقد كان عزم الباب العالي على إرسال سليمان باشا خصوصا ويوسف جنج لنجدته آخر دليل في نظر محمد علي على أن الباب العالي بالرغم من الكوارث التي نزلت بالدولة في الداخل والخارج معا: فتنة الانكشارية وعزل السلاطين وتوليتهم، وثورة الوهابيين في بلاد العرب، واضطراب الأحوال في سائر ولايات الدولة، واشتباك السلطنة في حربها مع الروس والإنجليز، ونزول الأخيرين في الإسكندرية واستيلاؤهم عليها، لا ينفك يحيك الدسائس له، ولا يتردد في أول فرصة مناسبة عن نقله أو عزله أو الغدر به.
وأما البكوات المماليك فقد اتضح مبلغ عنادهم، ورسوخ كراهيتهم له في قلوبهم منذ أن فشلت كل مساعيه للصلح والاتفاق معهم، حتى إنهم لم يرضوا بالوقوف موقف الحياد في النضال بينه وبين الإنجليز إلا استجابة لنداءات «دروفتي» في ظاهر الأمر على الأقل، حيث كان انقسامهم بسبب تحاسدهم وتنافسهم على الرياسة وتشاحنهم، مبعث تخاذلهم والعلة الحقيقية في عدم انضمامهم إلى الإنجليز، والتعاون معهم في عملياتهم العسكرية، وكان من أسباب عنادهم وإصرارهم على طرد محمد علي والأرنئود من القاهرة، ومن البلاد بأسرها حتى تدين لهم السلطة في هذه الولاية على غرار ما كان لهم فعلا قبل أن ينتزع الفرنسيون منهم هذه السلطة إبان احتلالهم للبلاد، استناد فريق منهم على مؤازرة الفرنسيين أنفسهم، واستناد فريق آخر على مؤازرة الإنجليز.
ولقد جمعت المصلحة المشتركة بين الممثل الفرنسي في مصر وبين محمد علي، فاطمأن الأخير من ناحية فرنسا، وعرف كيف يفيد من ظروف الصراع الدائر بين إنجلترة وفرنسا لاستخدام «دروفتي» في تضليل البكوات وشل حركتهم، ولكن جماعة البكوات من بيت الألفي أصدقاء الإنجليز وحلفائهم، كانوا مصدر متاعب أشق وأقسى بسبب خصومة الألفي الكبير وخصومة «مسيت» له، ثم استفحل الخطر منهم، حينما احتل الإنجليز الإسكندرية، وطفق «مسيت» و«فريزر» يتراسلان مع جماعة المماليك التي عرفت حتى هذا الوقت بميولها الفرنسية، ولم يكن هناك معدى إذن عن تجريد البكوات من هذه القوة التي يعتمدون عليها - قوة الصداقة والمحالفة مع الإنجليز - إذا شاء الباشا الاستقرار في حكومته وولايته، ولقد كانت مسألة المماليك من المسائل التي احتلت مكان الصدارة في تفكير محمد علي - كما أوضحنا مرارا - زد على ذلك أن الانهزامات الأخيرة التي لحقت بالإنجليز لم تخدع الباشا لدرجة الاستهانة بأمر هؤلاء، فهو قد عرف عنهم أنهم هم الذين ساهموا بأكثر نصيب في إخراج الفرنسيين من مصر، وفي وسعهم إذا جد الجد أن يبعثوا بنجدات قوية إلى الإسكندرية، ولن يحول حائل دون وصول هذه النجدات؛ لأن لهم السيطرة في البحر الأبيض، وفي استطاعتهم أن يضربوا حصارا على مصر لا يقل صرامة عن حصارهم لها أيام حملة بونابرت، ثم إن نابليون العظيم صاحب الانتصارات الباهرة في القارة الأوروبية قد عجز عن هزيمتهم، وتعذر عليه غزوهم في عقر دارهم، وفشل في انتزاع السيطرة البحرية منهم، والإنجليز فوق هذا أعداء الباب العالي اليوم، وإذا كان نابليون قد عجز عن دحرهم، فكيف يتسنى للباب العالي أن يهزمهم، وإن محالفة يعقدها الباشا معهم قمينة بدفع أي اعتداء قد يقع عليه، إما مباشرة أو بطريق غير مباشرة من جانب الباب العالي، غير أن استقرار الحكم يستلزم حتما بسط سلطانه على باشويته بأسرها، ولا محيص لذلك عن دخول الإسكندرية أهم ثغور القطر في حوزته، ولا بد لذلك من إجلاء الإنجليز عنها، ولما كان هؤلاء قد أكدوا مرارا وتكرارا أنهم لم يجيئوا إلى هذه البلاد لغزوها واحتلالها، وإنما غرضهم من الاستيلاء على الإسكندرية هو منع نزول الفرنسيين بها لعدم تهديد سيطرتهم في البحر الأبيض، أو تعطيل مصالحهم التجارية في الليفانت أو إحياء خطر النزول على ممتلكاتهم في الهند من جديد، ففي وسع الباشا أن يتعهد لهم بمنع نزول الفرنسيين في هذه البلاد، أو مرورهم منها إلى الهند، وفي وسعه كذلك أن يتعهد لهم بحماية مصالحهم التجارية في مصر بل وتعزيزها، ثم إنه إذا كان «دروفتي» قد أقبل على مؤازرة الباشا بكل ما وسعه من جهد وحيلة، فقد ندر أن بعثت إليه حكومته بتعليماتها، واتخذ الوكلاء الإنجليز من ذلك سببا لإذاعة أن «دروفتي» لا يلقى تأييدا من حكومته لسياسته، وعلاوة على ذلك فقد أذاع هؤلاء الوكلاء دائما أن الفرنسيين يريدون احتلال مصر، ثم أكد أسرى الإنجليز في القلعة أن لا غرض لحملتهم سوى منع الغزو الفرنسي وهذا الاحتلال، وراح «فريزر» بدوره يؤكد ذلك في كل مناسبة وفي كل اتصالاته مع البكوات المماليك خصوصا؛ ولذلك فإن من الخير أن تنص محالفته مع الإنجليز ضمن أهدافها على رد الفرنسيين عن هذه البلاد، بل ويقتضيه الحذر أن يطلب هو ذلك.
وثمة حقيقة أخرى، وهي أن هذه الأخطار ذاتها، سواء كان مبعثها غزو الإنجليز للإسكندرية أو الخوف من غزو آخر قد يأتي البلاد من جانب فرنسا، أو عناد البكوات المماليك وإصرارهم على طرده من الحكم والولاية، أو عدم الاطمئنان إلى نوايا الباب العالي نحوه، والخوف من تدابيره ودسائسه لانتزاع باشوية القاهرة منه، قد جعلت الباشا يمعن الفكر في خير الوسائل التي تدفع عنه الأذى، وتكفل له الاستقرار في حكومته، وكان خيرها في نظره أن يظفر لباشويته بوضع مشابه لباشويات وجاقات الغرب الثلاث؛ طرابلس وتونس والجزائر في علاقاتها مع الباب العالي (أي تأسيس الحكم الوراثي في مصر)، وهو وضع لا يمكن الظفر به إلا إذا أوجد له حلفاء أقوياء، يناصرونه في مسعاه لدى صاحب السلطان الشرعي عليه، أو يبادرون بالاعتراف به، فلا يجد الباب العالي مناصا من التسليم بالأمر الواقع، ومع أن محمد علي لم يكشف عن نواياه هذه في مرحلة المفاوضات الأولى، وهي مرحلة لجس النبض فحسب، فقد كان هذا المشروع - دون شك أو ريب - مختمرا في ذهنه، ولم يلبث أن كشف عنه في مراحل المفاوضات التالية، ثم إنه طفق يسعى جديا لدى الباب العالي لتحقيقه بعد ذلك.
فلا موضع للدهشة أو الغرابة إذن لكل هذه الاعتبارات التي ذكرناها إذا عرض الباشا على الإنجليز الآن صلحا، يستبدل بمحالفتهم مع المماليك المحالفة معه هو، ويقوم على اعتبار الأتراك والفرنسيين أعداء مشتركين له ولهم، يحقق للإنجليز المزايا التي ذكرها ترجمانه للجنرال «فريزر»، ويحقق للباشا - كثمرة عاجلة لهذه المحالفة استيلاءه على الإسكندرية، وهي التي ظلت حتى هذا الحين خاضعة لإشراف القسطنطينية رأسا، ويأتيه بالثمرات الأخرى التي انتظرها منه، ولم يظهر محمد علي في مفاوضته هذه بمظهر المتهافت على مصلحة الإنجليز، أو الرجل الضعيف الذي يخشى أذاهم وشرهم، فهو ما فتئ يكمل استعداداته دبلوماسيا بشل حركة حلفائهم المماليك وعسكريا بجمع الجند واستقدام النجدات وحشد الجيوش، ويعلن إليهم أن بوسعه إذا شاء ومتى شاء أن يأخذ الإسكندرية منهم عنوة، وللإنجليز أن يختاروا بين استئناف القتال أو إبرام الصلح معه، وأما إذا كانوا لا يؤثرون التحالف معه على محالفتهم مع المماليك، ولا يريدون تسليم الإسكندرية، ولا يبغون أن ينشئوا معه علاقات محبة وصداقة، فما الذي يفيده محمد علي من ترك الإسكندرية في أيدهم، وأي خدمة تلك أو جميل وصنيع في وسعهم أن يقدموهما له، يمكن أن تعوض عليه خسارة الإسكندرية، وبقاء هذه في قبضة جيوش أجنبية لدولة هي في حرب مع الباب العالي ومعه، لا ينفك ممثلوها ووكلاؤها عن تحريض البكوات المماليك وهم خصومه الألداء على قتاله لإخراجه من باشويته.
غير أن هذا الأسلوب الذي اتبعه الباشا في إشعار «فريزر» بنواياه كان من الدقة بحيث فات «فريزر» إدراك غايات محمد علي وأهدافه، فعد مقترحاته - كما رأينا - غير معقولة وغير مفهومة، وراح يوضح لترجمان الباشا المزايا التي تعود عليه من بقاء الإسكندرية في حوزة الإنجليز أنفسهم واستمرار هؤلاء في احتلالها، وخيل إليه أن مقصد الباشا من سؤاله عن الجميل أو حسن الصنيع الذي في وسع الإنجليز أن يقدموه له، أنه يبغي تعويضا ماليا عن الأسرى الإنجليز الذين يطلق سراحهم، ولم يدرك غرض الباشا من مقترحاته هذه سوى «مسيت» الذي جعلته خصومته لمحمد علي وتشككه لذلك في كل ما يصدر عنه حاد الذهن في هذه الناحية خصوصا، ومتيقظا لسبر غور الرجل الذي بذل - دون جدوى - كل ما وسعه من جهد وحيلة لطرده من الولاية؛ ولذلك فقد انبرى «مسيت» يحطم مشروع المحالفة المقترحة، وهو لا يزال في مهده، وساق كل ما اهتدى إليه فكره من حجج ودعاوى لإقناع وزير خارجيته بعبث التحالف مع محمد علي، وتضحية المماليك أصدقاء الإنجليز القدماء.
ومهما يكن من أمر، فقد عاد ترجمان الباشا إلى القاهرة وبصحبته الكابتن «ديلانسي»، فبلغاها في 21 مايو، ومع أن «فريزر» رفض في جوابه إخلاء الإسكندرية، فقد تحدث - كما عرفنا - عن رغبته في إنشاء علاقات الود والصداقة مع محمد علي، وطلب من الأخير دليلا على حسن نواياه، وما يكنه من عواطف طيبة نحو الإنجليز أن يبادر بإطلاق سراح أسراهم - لا بد أن يتوقع محمد علي نظير ذلك الحصول على مبلغ معقول من المال - ولم يغلق القائد الإنجليزي باب المفاوضة معه، بل سأله أن يوضح أغراضه ونواياه ويحدد مطالبه، فحققت هذه المفاوضة الغرض المباشر منها، وهو جس نبض الإنجليز، وعرف الباشا أن الإنجليز لن يتخلوا عن الإسكندرية إلا إذا أرغموا على ذلك إرغاما، وأن الأمل في إمكان الاتفاق والتفاهم معهم لا يزال باقيا، ومن الممكن كسب صداقة الإنجليز - على الأقل - إذا تعذر عقد محالفة صريحة معهم متى اتضح لهم أن لا مفر من ضياع الإسكندرية من قبضتهم، وأن أصدقاءهم المماليك لن يحضروا لنجدتهم، وأن سلطان الباشا في القاهرة يستند على حكومة قوية الدعائم.
Halaman tidak diketahui