Mesir Pada Awal Abad Kesembilan Belas 1801–1811 (Bahagian Pertama)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genre-genre
ذلك إذا كان تطور الموقف الدولي الذي أسفر في مراحله الأخيرة عن إرسال حملة «فريزر» إلى مصر لاحتلال الإسكندرية، وكان لهذه الحوادث أكبر الأثر على ما وقع من حوادث كذلك في مصر؛ فانشغال الباب العالي بهذا الصراع الدائر في القسطنطينية لتنازع النفوذ بين فرنسا من جانب وبين إنجلترة وروسيا من جانب آخر قد أعجزه عن معالجة الموقف في مصر وبسط سيطرته وسلطانه الفعلي عليها، فكان هذا الانشغال من العوامل التي جعلته رضخ للأمر الواقع فيقبل النزول عند إجماع القاهريين وتقليد محمد علي منصب الولاية على كره منه، كما أنه كان كذلك من الأسباب التي جعلته يعفو عن البكوات بعد قتلهم علي الجزائرلي واستيلائهم على حكومة القاهرة، عندما تم الاتفاق بينه وبين مندوبي الألفي بالقسطنطينية على إرجاع سيطرة البكوات القديمة إليهم، وإصدار أمره بنقل محمد علي إلى ولاية سالونيك، ثم جعله اشتداد الأزمة يرضخ مرة ثانية لمشيئة محمد علي الذي رفض تلبية أوامر السلطان (1806).
ومثلما استعان محمد علي بالمشايخ ورؤساء القاهريين في تذليل القدر الكبير من الصعوبات التي صادفته في الشهور التي تلت المناداة بولايته، فقد اعتمد على مؤازرتهم في اجتياز أزمة النقل هذه بسلام، سواء في استكتابهم العرائض للباب العالي وللقبطان باشا أم في إبطال نشاط البكوات أم في معاونته على جمع المال اللازم لدفع مرتبات الجند.
وقد زاد من خطورة هذه الأزمة الأخيرة أنه كان على الباشا مصارعة خصمين عنيدين؛ أحدهما الألفي أعظم البكوات نشاطا وأكثرهم تمرسا في فنون السياسة، كما كان يتسع أفق تفكير البكوات لإدراك أسرارها وفهم مكنونها، والآخر الوكيل الإنجليزي «مسيت» عدو محمد علي اللدود والمراوغ المداهن والرجل الذي رأى في وجود محمد علي في الحكم مبعث كل النكبات التي حلت بمصر، ومصدر الفوضى المنتشرة في أرجائها، والذي اعتقد أنه طالما عجزت حكومته الإنجليزية عن إرجاع البكوات إلى الحكم وإقصاء محمد علي عنه فسوف تظل البلاد ضعيفة وعاجزة عن دفع أي عدوان خارجي عليها، ولا مندوحة لذلك من أن يحتل جند بريطانيون الإسكندرية، بل والبلاد بأسرها عند الضرورة، لتأمين سلامة مصر - كما قال - وحتى يتسنى منع الفرنسيين من غزوها.
ولقد كان من المتوقع ألا يلقى محمد علي أية معونة من فرنسا ومن ممثليها في مصر بسبب سياستها السلبية التي سبق توضيحها، وبسبب اعتقاد حكومتها أن في وسعها الاعتماد على طائفة البكوات المناصرين لها بزعامة البرديسي لتعزيز مصالحها، ولكن تبديلا حاسما ما لبث أن طرأ على هذه السياسة، فاستحالت إلى سياسة إيجابية عملت على مؤازرة محمد علي وتأييد حكومته، ولم تكن الحكومة الفرنسية ذاتها هي صاحبة الفضل في هذا التحول الذي حدث، وإنما كان صاحبه ممثلها في مصر «برناردينو دروفتي» الذي خشي من استفحال أمر الألفي صنيعة الإنجليز، وخشي من انهيار النفوذ الفرنسي انهيارا تاما وضياع مصالح فرنسا إذا تسنى للألفي تأسيس حكومته في مصر بمعاونة الإنجليز، فطفق يسعى بكل ما وسعه من جهد وحيلة لإحباط مشروعات الألفي والإنجليز ومناصرة حكومة محمد علي وتأييدها، ثم كان ل «دروفتي» نصيب كبير في كل ما بدا من نشاط لهزيمة حملة «فريزر» عند مجيئها.
ولا جدال في أن حكومة محمد علي ظلت في أثناء ذلك كله معرضة لأخطار جسيمة، بل لقد صادفت هذه الحكومة أزمات كادت تزلزل كيانها وتقضي عليها، وكان آخر هذه الأزمات حملة «فريزر» على مصر، فكانت الفترة من وقت المناداة بولايته في مايو 1805 إلى وقت جلاء الإنجليز عن الإسكندرية في 19 سبتمبر 1807 فترة اختبار وتجربة، عجمت الحوادث في أثنائها عود محمد علي، وتأرجحت ولايته، وارتهن بقاؤها بقدرته على تذليل الصعوبات التي اعترضته أو عجزه عن تداركها وجرفها لحكومته، ولقد كان امتحانا قاسيا اجتازه محمد علي بنجاح، فأقام الحجة على أنه رجل دولة وسياسة، في وسعه إرساء قواعد الحكم على أسس قوية ثابتة ودعم أركان الولاية، الأمر الذي اختصه بعنايته في نشاط ومثابرة في السنوات الثلاث التالية (1807-1811).
الفصل الأول
الكفاح من أجل البقاء
تمهيد: الموقف بعد المناداة بالولاية
أزاح إقلاع القبطان باشا من الإسكندرية في أكتوبر 1805 حملا ثقيلا عن صدر محمد علي، عندما كان وجوده يهدد بتألب أعداء الباشا عليه في اتحاد عام، يسبغ عليه تزعم القبطان باشا - وهو ممثل السلطان العثماني صاحب السيادة على هذه البلاد - الصبغة الشرعية التي تزيده قوة وتوثقا، فآذن استبعاد هذا العامل من الميدان، وتثبيت محمد علي في ولايته بانحصار التنازع على السلطة في الفترة التالية مباشرة بين باشا القاهرة وبين البكوات المماليك، وكان نزاعا مريرا؛ لأن محمد علي كان قد صح عزمه منذ أن دان له الحكم في مايو على الاستقرار في ولايته وعدم مبارحة البلاد، فبعث في طلب ولديه إبراهيم وطوسون، ووصل هذان إلى بولاق في 27 أغسطس 1805، وأصعد الباشا ابنه الأكبر إبراهيم إلى القلعة في اليوم التالي، وأجلسه بها، ثم لم يلبث أن توافد عليه مواطنوه يطلبون خدمته والعمل معه وتحت لوائه، وعهد إليهم الباشا بشتى الأعمال. وكان المماليك من ناحيتهم لا يقلون إصرارا عنه على المضي في جهودهم من أجل انتزاع حكومة القاهرة منه، واسترجاع سلطانهم المفقود في بلاد عدوها ملكا خالصا لهم يقتسمون أرزاقها فيما بينهم، ولا يسمحون لطوائف الأجناد من أرنئود ودلاتية وغيرهم ممن اعتبروهم غرباء عنها بأن يشاركوهم في استغلالها. ولقد استمر المماليك مصدر أشد الأخطار التي تعرضت لها حكومة محمد علي لا في هذه الفترة فحسب، بل وطوال المدة التي احتفظوا فيما بمظاهر شوكتهم قبل أن يقضي عليهم القضاء المبرم في مذبحة القلعة المعروفة.
لقد تضافرت عوامل عدة على إضعاف البكوات المماليك، كان أهمها نقص قوة فرسانهم عدتهم الكبرى في الحروب، ووهن العلاقة التي ربطت بين «الأساتذة» و«الأتباع»، والأولون هم البكوات، منهم الحكام الصناجق (أو السناجق، جمع سنجق وهو البيرق شارة الإمارة والبكوية)، والآخرون هم المماليك الذين اختص كل واحد من الأساتذة، أو السادة الأمراء بعدد معين منهم، وقد عمد هؤلاء البكوات، أو الأمراء إلى الاستكثار من مماليكهم؛ بشرائهم الرقيق من أسوان في جورجيا والقفقاز خصوصا، ولا يلبثون أن يرفعوا من شاءوا منهم عند اكتمال رجولتهم إلى رتبة البكوية والإمارة ، ثم وهن العلاقة بين هؤلاء المماليك الذين أمرهم أساتذتهم وأسيادهم فصاروا «خشداشين» متساوين في الحقوق والتبعات، يربط بينهم الولاء لأستاذهم الأكبر سيد البيت الذي ينتمون إليه، ويسود وجوبا الوئام والاتحاد بينهم بحكم هذه الصلة، حتى إذا خرج أحدهم على ما جرى به العرف عد ذلك إثما عظيما. وكان بيت السيد أو الأستاذ بمثابة المدرسة التي يتعلم فيها مماليكه الفروسية وفنون القتال، ويتدربون على الشجاعة والبسالة، ويلقنون المبادئ الأخلاقية التي أقرها النظام المملوكي، وأهمها طاعة التابع لأستاذه، والولاء له حتى يسترشدوا بها في حياتهم الخاصة والعامة على سنن يحفظ لطبقتهم المنعزلة في نظامها عن سائر طوائف وطبقات المجتمع تكتلها وكيانها.
Halaman tidak diketahui