دفعني بإصرار وهو يقبض على منكبي فصرخت غاضبا: إنك تقضي علي إلى الأبد!
سرحان البحيري
هاي لايف.
معرض أشكال وألوان مثير للشغب، شغب البطون والقلوب. موجة هائلة من الأنوار الباهرة تسبح فيها قدور فواتح الشهية، العلب الحريفة والمسكرة، اللحوم المقددة والمدخنة والطازجة، الألبان ومستخرجاتها، القوارير المضلعة والمنبسطة والمبططة والمربعة والمنبعجة المترعة بشتى الخمور من مختلف الجنسيات.
لذلك تتوقف قدماي بطريقة أتوماتيكية أمام كل بقالة يونانية.
وهواء الخريف يلفحني بدسامته الجنسية. وعيناي ترنوان إلى الفلاحة بين الزبائن أمام الطاولة. طوبى للأرض التي غذت وجنتيك ونهديك. وأنا أراجع أسعار القوارير لمحتها. امتد إليها بصري من موقفي فوق الطوار، مارا فوق برميل الزيتون، نافذا من فرجة بين الهيج والديوارس، مائلا عن قطاعة البسطرمة، حتى استقر على عارض وجهها الأسمر المرفوع إلى البقال ذي الشارب البلقاني. وقد تأبطت حقيبة من القش المجدول ملئت بالمشتريات، وقد برزت من جانب غطائها رأس زجاجة الجوني ووكر.
تصديت لها وهي تغادر المحل فتلاقت عينانا، ارتطمت نظرتها المستطلعة الصلبة بنظرتي الضاحكة المعجبة. سارت في طريقها فسرت وراءها ولا غاية إلا تحية الجمال ذي العبير الريفي الذي أحبه. تعرضنا في طريق الكورنيش لدفقات هواء الخريف المشعشع بالشعاع الواني الغارب، وهي تتقدمني في مشية عسكرية سريعة حتى انعطفت فيما وراء عمارة الميرامار. التفتت ناحيتي وهي تمرق إلى مدخل العمارة فتلقيت نظرة عسلية محايدة.
وتذكرت موسم جني القطن في قريتنا. •••
كان عبيرها قد تبخر من نفسي أو كاد عندما رأيتها للمرة الثانية في نهاية الأسبوع. لمحتها أمام معرض محمود أبو العباس وهي تبتاع الجرائد. أدركتها قبل أن تذهب وأنا أقول: صباح الفل.
رد محمود أبو العباس التحية دونها ولكنها نظرت نحوي فتلقيت نظرتها بعين صقر تود أن تشدها إليها إلى الأبد. سرعان ما ذهبت وقد هيجت عبيرها من جديد فملأ حواسي جميعا، وقلت لمحمود: هنيئا لك!
Halaman tidak diketahui