كررت السؤال وأنا أغادر الحجرة بجنوني. رأيت في الصالة سرحان البحيري وهو يتكلم في التليفون. ولمحت حقيبته وراء الباب مؤذنة برحيله الأبدي. نظرت إلى مؤخر رأسه المائل إلى سماعة التليفون بمقت. كأنما أنظر إلى عدو لدود ورائي. إنه يملأ حياتي أكثر مما تصورت. وإذا اختفى حقا إلى الأبد فماذا أصنع بحياتي؟ وكيف أعثر عليه مرة أخرى؟ إنه يشدني إليه شدا كالنور والفراشة. إنه الجرعة السامة التي قد أتداوى بها.
وارتفع صوته الرنان وهو يقول للتليفون: طيب .. الساعة الثامنة مساء .. سأنتظر في كازينو البجعة.
إنه يضرب لي موعدا .. وربما يحدد لي هدفا. إنه يدعو جنوني إلى الرقص. صوته الرنان يغريني بالانتحار. إنه يأمرني بأن أتبعه. وسيمن علي بانتشالي من الفراغ.
تراجعت إلى حجرتي خشية أن أندفع مع عواطفي الجامحة. ولما غادرت البنسيون لم يكن به أثر لسرحان.
ذهبت إلى أثنيوس. فكرت أن أكتب رسالة إلى درية ولكن الجنون عصف برغبتي كما عصف بعقلي.
واتخذت مجلسي في ركن البهو الداخلي بكازينو البجعة، كمن قرر الهجرة فودع المدينة وهمومها جميعا. وجدت شيئا من الراحة وشيئا من صفاء الذهن. توارى الركن وراء موائد مشغولة برجال ونساء. وطلبت كأسا من الكونياك ثم أتبعتها بأخرى وعيناي مصوبتان نحو المدخل. وقبيل الثامنة بربع ساعة جاء البطل المنشود. جاء يتقدمه طلبة مرزوق. أكان هو الشخص الذي كلمه في التليفون؟ ومتى جمعت بينهما هذه الصداقة الطارئة؟ جلسنا على مبعدة عشر موائد من مجلسي، وجاءهما الجرسون بكونياك كذلك. وتذكرت أنني وافقت صباحا - على مائدة الإفطار - على اقتراح لطلبة مرزوق بأن نمضي سهرة رأس السنة في المونسنيير. أجل، وعدت بالاحتفال بليلة رأس السنة الجديدة. ومضيت أنظر إليهما من وراء وهما يشربان ويتبادلان الحديث والضحك. •••
حرصت على ألا يراني، ولكنه لمحني في المرآة. تجاهلته ومضيت وأنا ألعن سوء الحظ. كانت الطريق خالية تماما، وكنت أسمع أطيط حذائه ورائي. وأبطأت في السير حتى أوشك أن يدركني وكنا أوغلنا في الطريق الخالية، وحاذاني وهو يرمقني بارتياب. وتباطأ في السير حتى لا يعرض لي ظهره بلا دفاع، وقال: إنك تتبعني .. لقد رأيتك من البداية.
فقلت ببرود: نعم.
ازداد حذرا وهو يتساءل: لماذا؟
نزعت المقص من معطفي وأنا أقول: لأقتلك.
Halaman tidak diketahui