فابتسمت إلي ابتسامة تشرح الصدر، فطلبت فنجال قهوة فجاءتني به بعد دقائق معدودة. وقلت: انتظري من فضلك حتى أفرغ.
وضعت طبق الفنجال على سور الشرفة ومضيت أحتسيه فاقتربت حتى وقفت عند العتبة رانية إلى البحر، فسألتها: تحبين الطبيعة؟
لم تجب، ولكنها لم تفهم. ترى ماذا يشغل بالها؟ ولكن لا ريب أنها بالغريزة المرتوية من الأرض تتحفز للعمل الأول الذي تهتم به الطبيعة الخلابة. قلت: لدي في الحقيبة الكبرى كتب ولا صوان لها في الحجرة.
استعرضت قطع الأثاث بعينيها ثم قالت ببساطة: دعها في الحقيبة.
ابتسمت ثم سألتها: تعملين هنا من قديم؟ - كلا. - والمكان أهو مناسب لراحتك؟ - نعم. - ألا يضايقك الرجال الذين يجيئون ويذهبون؟
هزت منكبيها ولم تجب بلا أو نعم، فقلت: إنهم مخيفون أحيانا، أليس كذلك؟
تناولت الفنجال ثم قالت وهي تهم بالذهاب: أنا لا أخاف!
أعجبت بثقتها بنفسها. وإذا بي أعاني إحساسا بالحسرة. وكعادتي جعلت أفكر فيما هو كائن وما ينبغي أن يكون. وتهددني الحزن مرة أخرى.
تفقدت قطع الأثاث ثم قر عزمي على شراء مكتبة صغيرة للكتب، أما الترابيزة المستديرة القائمة بين صوان الملابس والشيزلونج فصالحة للكتابة. •••
لبثت في دار الإذاعة بضع ساعات لتسجيل البرنامج الأسبوعي. تناولت الغداء في مطعم بترو بشارع صفية زغلول. جلست في «على كيفك» لأحتسي فنجالا من القهوة. مضيت أتسلى بمشاهدة الميدان المغطى بمظلة من السحب. وقد انتشرت معاطف المطر المطوية على الأذرع. وفجأة دق قلبي عندما مر أمامي ذاك الرجل. فوزي! انحنيت إلى الأمام قليلا حتى أوشك جبيني أن يمس الزجاج لأتأكد من هويته. كلا، ليس بفوزي، ليس بفوزي على وجه اليقين. ولكن ما أعظم التماثل بينهما، ودرية حضرت بالتداعي كما يقال. وهي تحضر بلا قانون إلا قانونها الأزلي. أجل درية. ماذا لو كان هو فوزي حقا؟ وماذا لو تلاقت الأعين؟ إذا رأيت صديقا حميما وجبت عليك معانقته. وهو أيضا بمنزلة الأستاذ. لتكن معانقة حارة وإن أدمتك الأشواك. وادعه إلى فنجال قهوة فبذلك تقضي آداب الضيافة. - أهلا .. أهلا .. ماذا جاء بك إلى الإسكندرية في هذا الوقت من العام؟ - زيارة عائلية.
Halaman tidak diketahui