وكذلك القياس في زرق الطير الذي يؤكل لحمه من أين كان فيه: نجس وطاعر، فالوحشي طاهر، والأهلي نجس، لأن طرح الدجاج معه مفسد، فكذلك الطير الأهلي - مفسد؛ لاستواء علته بعلة الدجاج.
والطير الذي يسميه بعض الناس: الصفصوف، ويسميه بعضهم الغبير، وهو من العصافير؛ يفرخ في المساجد، وفي البيوت، وفي الثياب، ولم نعلم أن أحدا من المسلمين اجتنبه، ولا قال: إنه مفسد، ولا نجس، فقاسوا عليه ما كان وحشيا مثله؛ لاستواء العلة؛ لأن طرح الطير الوحشي طاهر.
وكذلك قال المسلمون: إن أقل الصداق أربعة دراهم؛ قياسا على جواز قطع يد السارق؛ إذا سرق من حرز أربعة دراهم فصاعدا، أو قيمتها؛ لاستواء العلة في البضع. فهذا ومثله مما يجوز فيه القياس للقائسين من أهل العلم بكتاب الله، وسنة رسوله نبيه (- صلى الله عليه وسلم -)، وإجماع أهل العدل، وأهل العلم.
والله أعلم وبه التوفيق.
***
القول الثامن
في الحجج، ومن يكون حجة من العلماء، وفي القياس أيضا
قال أبو سعيد (رحمه الله): إن قول الواحد من علماء المسلمين حجة فيما أفتي به من الدين في أكثر القول، وأن الواحد يقوم في الفتوى مقام الاثنين في أمر الدين، وإذا قام مقام الاثنين: قام مقام الأربعة، وإذا قام مقام الأربعة: قام مقام الأربعين؛ وإذا قام مقام الأربعين: قام مقام ألف، أو يزيدون؛ وإذا قام مقام ألف، أو يزيدون، قام مقام أهل الأرض كلهم، وكان هو الحجة عليهم، إذ كان الحق في يده من الدين، ولم يكن لأحد عليه حجة في الدين من جميع العالمين.
ولولا أن الحق والدين على هذا - ما كانت الحجة من الله تقوم، وينقطع بها عذر الشاك فيها بالرسول الواحد إلى أهل الأرض كلهم؛ ولو كان لا نقوم إلا بجماعة؛ لكان ذلك أولي به النبيون والمرسلون.
ولو اعتل معتل برسالة هارون مع موسى (صلي الله عليهما) - ما كان له بذلك حجة؛ لأن الحجة على كل أمة ما جاءهم به رسولهم من الحجة والشريعة.
Halaman 76