ثم يأخذ في تعليم العلم. أولا: في معرفة نفسه، وأنه عبد لله مملوك لله تعالي؛ لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وأن الله تعالي عالم يسره وجهره، وعلمه محيط بخطراته ولحظاته، وسكونه وحركاته، وأن الله تعالي: واحد أحد، فرد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، لا إله إلا هو عالم الغيب، والشهادة، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، وينفي عن الله جميع صفات المخلوقين.
فإذا عرف هذا نظر بعين الاعتبار؛ أنه مملوك لمالك، وأن المالك غني عن الملوك، ولكن لم يخلقه عبثا، وإنما خلقه ليطيعه، ويوحده، ويعبده، ويتبع لأمره، وينزجر لزجره؛ فإذا فهم هذا، وفكر في نفسه؛ علم أن ربه وسيده حكيم عليم قادر على كل شئ؛ لم يكلفه فوق طاقته، ولا يلزمه من خدمته ما لم يقم به، وبمعرفته، ولا يتوصل إلى معرفة ذلك إلا بواسطة بينه وبين ربه، فيسأل عن ذلك من يعبر له الحجة، فتقوم له الحجة بما يسمع من أهل زمانه؛ فيجد الحجة بالواسطة بينه وبين الله؛ وهو: النبي المرسل من رب العالمين محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب (صلي الله عليه وسلم) وعلى آله الطيبين الطاهرين، وسلم عليه وعليهم أجمعين.
فإن لم يتحقق في نفسه صحة ثبوته، ولم يتضح له الأمر في ذلك بالسماع من أهل زمانه؛ فيجد الحجة القاطعة لكل حجة دالة على صحة ثبوته، كتاب الله المجيد الذي " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد"؛ فإنه الشفاء من كل داء، والضياء من كل ظلمة، والهادي من كل ضلالة، والدليل من كل حيرة، من تركة ندم، ومن لزمه وعمل به سلم.
فإذا تعلم منه أحد، وتعلمه في صغره أغناه في كبره، ونظر في دين الإسلام، وتمكن من قلبه الإيمان، واحترز به من مكائد الشيطان؛ وذلك بفضل الله يؤتيه من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم.
Halaman 41